تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الملف الإيراني... والتهديد الأميركي

شؤون سياسية
الخميس 31-12-2009
د. محمد البطل *

«مطلب» جديد طرحته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخراً في سياق تعاطيها اللامتوازن مع الملف النووي السلمي الإيراني

عنوانه (الفترة الزمنية المحددة لطهران بشأن حل مسألة الوقود لمفاعلاتها)، تنتهي مع انتهاء العام الحالي، وإلا فإن ايران ستعرض نفسها لعقوبات «دولية» جديدة. ويأتي هذا الشرط الإضافي في إطار الضغط الذي تمارسه واشنطن إثر التباينات المستمرة في اللجنة السداسية الدولية الخاصة بالملف النووي الايراني من جهة وعدم التوصل إلى حل لهذا الملف «يرضي» الادارة الأميركية، أو «يلجم» الطموحات المشروعة الايرانية بامتلاك برنامجها النووي السلمي من جهة أخرى.‏

بداية تجدر الإشارة إلى الإصرار الأميركي خصوصاً والغربي عموماً على أن يتصدر الملف النووي الإيراني غيره من الملفات الأخرى الإقليمية والدولية، على أهميتها وتحوله إلى ما يشبه قصة «إبريق الزيت» ترتفع وتيرتها أو تنخفض انسجاماً وطبيعة التطورات في المنطقة وخاصة دول الجوار الايراني واشكاليات الشرق الأوسط. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن طهران قد وقعت مبكراً على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي أولاً، وتتعاطى إيجاباً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحترم أنظمتها ولوائحها ثانياً، وأن نتائج جولات المفتشين لمواقعها الخاصة بالبرنامج النووي لم تسجل انتهاكات لقوانين الوكالة، أو كيفية تعاطيها مع الوكالة ثالثاً، فضلاً عن تصريحات أمين عام الوكالة محمد البرادعي في زيارته الأخيرة إلى طهران الإيجابية وتأكيده أنه لا توجد شوائب حول برنامج ايران النووي السلمي وأن لا ملاحظات جدية تؤخذ بالحسبان حول احتمالات عسكرة هذا البرنامج.‏

ورغم أهمية الملاحظات الآنفة الذكر فقد ظل الملف الايراني على طاولة المفاوضات بين المجتمع الدولي ممثلاً باللجنة السداسية: (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا) وبين ايران. هذا في الوقت الذي تجاهل فيه العالم ومايزال الترسانة النووية العسكرية الاسرائيلية ورفض هذا الكيان الاقرار ببرنامجه النووي أو حتى السماح للمفتشين الدوليين زيارة مفاعلاته وخاصة مفاعل ديمونا وما تشكله من مخاطر جدية على المنطقة والعالم، فضلاً عن عدم انضمامه للوكالة الدولية للطاقة الذرية واحترامه لأنظمتها أو توقيعه على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، كذلك لم يتصدر البرنامج النووي لكل من الهند وباكستان غيرهما من القضايا الآسيوية ولم تشكل لجان دولية لمتابعته رغم أنهما امتلكتا السلاح النووي كذلك وسائل اطلاقه (صواريخ متوسطة وبعيدة المدى) ولم تتعرضا إلى عقوبات دولية، أو طرح برنامجها النووي على مجلس الأمن كما هو حال الملف الايراني أو شكلت لجان دولية لمتابعة ملفيهما.‏

وتزداد الأمور غرابة إذا ما دققنا في مقترحات الاتحاد الأوروبي التي نقلها خافيير سولانا نهاية العام الماضي 2008 حول رزمة حلول متكاملة للملف الايراني تشترط وقف تخصيب اليورانيوم مقابل حوافز اقتصادية وسياسية ودور إقليمي إيراني في المنطقة وهذا ما رفضته طهران، كذلك إحالة هذا الملف على مجلس الأمن الدولي وتجاوز الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية بهذا الملف أساساً ورغم اصرار طهران على حقها في امتلاك برنامجها النووي السلمي أسوة بدول كثيرة في هذا العالم وتقديمها رزمة حلول مقابلة لرزمة سولانا شرط أن يقر المجتمع الدولي حقها في تخصيب اليورانيوم واستعدادها لحلول وسط بشأن رفع مستوى التخصيب (قدمت مؤخراً عرضاً بأن يتم رفع مستوى التخصيب من 3.75 بالمئة إلى 20 بالمئة في جزيرة كيرش الإيرانية) وبإشراف من الوكالة الدولية، فإن العودة إلى ابتكار وسائل ضغط جديدة «الفترة الزمنية» تضاف إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة سابقاً على إيران وتمثل تصعيداً في التعاطي مع هذا الملف وآليات إغلاقه وقد أعقب هذا الشرط الابتكار رفض ايراني واضح وصريح جوهره أن هذه الاجراءات لن تساهم في الوصول إلى حل بشأن هذا الملف وإنما تمثل تصعيداً جديداً من بعض الدول الغربية خلافاً للمواقف الإيجابية للوكالة الدولية للطاقة ومواقف عدد من أعضاء اللجنة السداسية وتراجعاً عن لقاءات فيينا وجنيف الأخيرة.‏

وفي هذا السياق ينظر باهتمام إلى تأكيد الرئيس الايراني أحمدي نجاد أن سلاح العقوبات الاقتصادية وتوسيعها لن يثنينا عن مواصلة برنامجنا إنما يظهر مرة أخرى اللاتوازن في التعاطي مع ايران وامعاناً في سياسة الكيل بمكيالين وممارسة الازدواجية بأبشع تجلياتها ورغم أن هذا الشرط الابتكار قد تزامن مع تصريحات لعدد من المسؤولين العسكريين الأميركيين (مايكل مولن مثلاً) حول عدم سقوط الخيار العسكري فإن ما يجري يؤشر إلى مأزق بعض المنشغلين بالملف الإيراني من جهة مقابل إصرار إيران على التمسك بحقوقها الشرعية من جهة أخرى.‏

فهل نشهد تطورات ومفاجآت في الأسابيع القليلة القادمة التي تعقب الفترة الزمنية المحددة أميركياً أم إن هذا التهديد يندرج في سياق لعبة عض الأصابع؟‏

* باحث في الشؤون الدولية batal-m@scs-net.org

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية