السيد الرئيس بشار الأسد شكر الشعب التركي لمساهمته في تقديم ثلثي المعونات الإنسانية التي تحملها القافلة، والتي ينظمها النائب البريطاني الشجاع جورج غالوي.
والسيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي قال: إن القافلة «يجب أن تصل إلى غزة» وإن عرقلة وصولها، من ناحية حقوق الإنسان، ستؤدي إلى مضايقات» أضاف: «يجب أن يؤدي كل شخص عمله ومسؤوليته الملقاة على عاتقه لتقديم كل المساعدة لهذه القافلة، لأن هناك (.. في غزة) أناساً أشقاء لنا يحتاجون هذه المساعدات، ويجب مد يد العون لهم، إننا نريد من الجميع الشعور بالمسؤولية».
وهذا خطاب رسمي تركي جديد بالقياس إلى ماكان سائداً قبل اثني عشر عاماً.
آنئذ كان هذا الخطاب خافتاً تحت وطأة عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونزولاً عند العلاقة الدبلوماسية مع «إسرائيل».
وعلى الرغم من أن تركيا لاتزال عضواً في الناتو، ومن أن علاقتها بـ «إسرائيل» لم تقطع، فإن الأوجب أن نستخلص أن هذا الخطاب الجديد هو محصلة متغيرات أنشأت مقداراً عالياً من التطابق بين السياسة الرسمية للحكومة وبين رأي عام يختزن هذا الخطاب.
وهذه المتغيرات مركبة إنها تتجاوز صندوق الاقتراع الذي أوصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة التنفيذية، لتتصل بجذور التحول التركي الرسمي والشعبي، من خيار استراتيجي إلى آخر مختلف.
وهذه الجذور نجدها في ملف السعي التركي إلى اكتساب العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، هذا السعي أخفق، وأخفقت معه فلسفته، ولاسيما في 1998، بعد أن خرج مسعود يلماظ عن طوره في استهجان الاشتراطات الأوروبية التي تثقل كاهل تركيا.
يلماظ رئيس الوزراء التركي وقتئذ، وبعد طول توشحه رداء العلمانية، وصف الاتحاد الأوروبي بأنه «ناد مسيحي».
وهذه المقولة لم تكن زلة لسان، بل كانت تعبيراً عن إخفاق فلسفة خيار التأورب، وتحريضاً غير مباشر للشعب التركي من أجل اعتماد فلسفة خيار بديل، هو العمق العربي- الإسلامي.
آنئذ التقط القائد الاستراتيجي العظيم حافظ الأسد اللحظة في هذا المناخ المستجد، فأقدم على كسح الألغام من طريقه، إعمالاً لفلسفة سورية الخاصة بتصويب العلاقات مع دول الجوار الجغرافي، وبما يعود بالنفع المتبادل على الطرفين العربي والتركي، بعد العربي- الإيراني.
وبه نشأ وضع جديد في المنطقة وقد ازداد الزخم في هذا الوضع بالأغلبية المطلقة التي تحققت لحزب العدالة والتنمية في انتخابات عامة، ثم بالأغلبية الساحقة، التي مكنته من السلاسة في قيادة البلاد.
في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس بشار الأسد، بعد اجتماع المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي، أوضح السيد رجب طيب أردوغان أن «التعاون الاستراتيجي عالي المستوى بين سورية وتركيا، وهو ليس فقط بين تركيا وسورية، وإنما بين سورية والعراق، وبين الأردن وتركيا، وبين تركيا ولبنان».
أي إن فلسفة العمق العربي- الإسلامي لتركيا تزداد زخماً بمأسسة النفع المتبادل مع العرب.
وهذا من شأنه إرساء القواعد في مرتسم جديد للمشهد الجيوسياسي في عموم المنطقة العربية- الإسلامية.
إذ إن توقيع 51 اتفاقية في يوم واحد، يوم 23/12/2009، بين سورية وتركيا، تعبير عن رغائب عميقة للبلدين رسمية وشعبية، في تطوير العلاقات وإغنائها، فوق أنه تعبير عن الثقة المتبادلة التي كانت مغطاة بقشرة واهية، ما إن أزيحت عن سطح مياهها الراكدة حتى تدفقت لجتها.
وقد كان السيد أردوغان دقيقاً في توصيف علاقات سورية- تركيا بأنها «نموذج يحتذى في العلاقات بين الدول».
وهذا ماترنو إليه سورية بالضبط، وهو الإجهاز على المرحلة التي كانت فيها «إسرائيل» تستقوي بدول الطوق الجغرافي لشل فاعلية الطوق العربي. ولكل مرحلة خطابها، وعلاماتها الفارقة.
ولذلك فإن تسيّد خطاب جديد في تركيا، رافد لخطاب الالتزام القومي في سورية، وأن تكون أنقرة معنية بإيصال المساعدات إلى غزة، ومهتمة بالاحتكام إلى الشعور بالمسؤولية، فهذا يعاضد خطاب دمشق التي لم يبح صوتها، ولن يبح،في الدفع بأولوية المسؤولية القومية حيال الصراع العربي- الصهيوني، ومركزية قضية فلسطين فيه، على «الأنا» القطرية التي صارت عند بعض الأشقاء «أولاً»!.
إن الارتسام المستجد لـ «الشرق الأوسط الجديد» ليس كما أراده بيريز، وفي الضد مما أرادته رايس، إنما يعاظم مسؤولية دمشق وهي تواصل كسح الألغام من طريق عمل عربي مشترك، نشط وفعال في تخديم المصلحة الاستراتيجية العليا للوطن العربي.
ولذلك فإن النموذج الذي يحتذى في علاقات سورية بتركيا، المشفوع بنجاح السيد الرئيس بشارالأسد في صياغة علاقات معافاة مع لبنان، مؤشر إلى أن «قطار الشرق السريع» ينطلق بثبات وموثوقية نحو غد أفضل.
siwanali@gmail.com