وببرود وهدوء شديدين كان يرفض كل ما تطلبه منه، بل ويفعل عكس ما تأمره به، وأمام هذه التصرفات غير اللائقة اجتماعياً، أبدت الأم أسفها لعدم قدرتها على ضبط تصرفات طفلها، وأثارت الكثير من التساؤلات.. من أين أتى بهذه السلوكيات رغم حرصها على تربيته والاهتمام به...
فعدم الطاعة والاحترام والعصيان، وكذلك الكذب حتى الأبيض منه والعدوانية الزائدة، كلها سلوكيات غير اجتماعية ومرفوضة داخل محيط الطفل وخارج بيته، وطبعاً لهذه التصرفات أسباب عديدة.
لقد أولى علماء النفس والتربية هذا الجانب أهمية خاصة، وبرأيهم أن الأسرةكانت ولا تزال هي مصدر اكتساب القيم وأساليب التربية لدى النشىء في معظم المجتمعات الانسانية، فما يتعلمه الطفل في مراحله الأولى، تكون بصماتها واضحةفي الكبر وعلى شخصيته، لذا ارتأى هؤلاء العلماء أن يتحكم الآباء في سلوكهم أثناء التعامل مع الأبناء، فما يجري في محيط الأسرة من توافق أو تلاؤم أو اختلاف بين الزوجين ينعكس ذلك على سلوك الطفل الذي يكتسب الأفعال ويتقمص الشخصيات والأدوار ويقوم بأدائها لا شعورياً في أول فرصة متاحة له، حتى يكاد أن يصدر الأفعال التي اكتسبها دون أن يعي ذلك.
فالسلوك غير الاجتماعي هو السلوك الذي يكتسبه الطفل من محيط الأسرة أولاً. وينقله إلى خارج بيته، وكأنه سلوك مقبول لديه، ربما يؤدي إلى صراعه مع مجتمعه.
ويرى علماء النفس والتربية أن هذه الأفعال والتصرفات تنتج عادة عن قلة اهتمام الآباء والأمهات بحاجات الأطفال، وأهمها الحب والحنان والعطف ، فإن قلة اشباعها يؤدي إلى الحصول عليها من الآخرين، كذلك تنتج عن العلاقات السيئة بين الأبوين التي تؤدي في الغالب إلى ضياع الأطفال ودمارهم وتوجيههم إلى السلوكيات غير الاجتماعية.
فيلجأ الأطفال في سن معينة إلى الكذب الأبيض كما يسميه عامةالناس، وهو خطأ سببه إما التدليل الزائد أو هروب الطفل من مشكلات لا يستطيع حلها، فيلجأ إلى هذا الأسلوب فيجد فيه المتعة الآنية دون عقاب أو شعور بالأثم، فيزداد التخيل والأمنيات التي تتحول إلى كذب على الذات من أجل الراحة النفسية.
وكذلك مشكلة عدم الطاعة التي تأخذ صورة أفعال تمرد عنيفة ومعاكسة لإرادة الأهل في البداية على نحو متعمد، فالطفل ما إن يبلغ العاشرة من عمره أو الحادية عشرة، يمر بمرحلة العصيان وعدم الطاعة والذي يتبدى بأشكال متعددة.
وهذه السلوكيات غير الاجتماعية لها عدة أسباب منها:
التساهل الشديد وعدم الجدية في معاملة الأطفال، أو الافراط في الصرامة في التعامل معهم وبشدة غير معهودة، وأحياناً يختلط السلوك الصحيح وغير الصحيح بما يصدر من الأهل تجاههم، وكذلك الانشغالات الحياتية لدى الوالدين، والمشكلات الزوجية بين الأبوين والتي تصل أحياناً للانفصال أو الطلاق.
ويطرح بعض علماء النفس والتربية أساليب للتعامل وطرق الوقاية من بعض هذه السلوكيات منها، تبني العلاقة الموجبة مع الطفل رغم وجود المشكلات الأسرية أو الاجتماعية وإعطائه ولو جزء بسيط من الوقت للتفاعل معه، ومشاركته بألعابه وبما يحب، فكلما اقترب الآباء والأمهات من أبنائهم استجابوا لهذا الاقتراب، وتظهر بوادر التعاون بين الأبوين والطفل، وهي بداية تكوين و إعادة الثقة المفقودة، هذا ومن الضروري الابتعاد عن السلوك الديكتاتوري أو التسلطي الذي يفرض تنفيذ الأوامر دون تردد..