من مفاجآت غير مستحبة للحزب الحاكم في البلاد؟ ليقدم « روبر جيبس» سكرتير المكتب الصحفي في البيت الأبيض على زلة لسان قد تكون محتملة الحدوث بشأن توقعات حول نتائج الانتخابات المقبلة ترجح استعادة الحزب الجمهوري سيطرته على الكونغرس بينما رفضت «نانسي بيلوسي» رئيسة مجلس النواب الاعتراف بهذاالاحتمال لكن مهما تكن المواجهة التي تنتظر الديمقراطيين فقد اختار هذا الحزب الرهان على المأزق الذي وصل إليه مؤخراً بحيث تبدو توقعاته مكشوفة ومعزولة، ففي أحسن الأحوال قد يخسر هذا الحزب عشرة مقاعد في مجلس النواب وعدداً آخر من مجلس الشيوخ، أما في أسوأ الأحوال فقد يتعرض لهزيمة تعيد التجربة التي شهدها أنصاره عام 1994 إلى واجهة الأحداث وذلك عندما تعثر الرئيس «بيل كلينتون» سياسياً وفقد التحكم بكل من مجلسي الكونغرس وعجز عن تجيير انتخابات هذين المجلسين لمصلحة حزبه آنذاك وتلك كانت المرة الأولى منذ نصف قرن التي يسجل خلالها الديمقراطيون في الولايات المتحدة هزيمة من هذا النوع وبهذا الحجم، وإذا ماحدث شيء يشبه ثورة عام 19٩4 خلال انتخابات هذا العام فإن فترة نشاط باراك أوباما الرئاسية ستشهد أفولاً قريباً يليه فصل من فصول الإحباط سيصاب به الديمقراطيون مع تبادل الاتهامات مع أنصار الحزب الجمهوري.
هذا بينما سيواجه الديمقراطيون قذائف من الملامة تنهال عليهم من هنا وهناك يتقاسمونها مع «باراك أوباما» الذي لن يخلو من التأنيب الموجه إليه نتيجة فشله في زج ثقل مركزه في الميزان لتشكيل حكومة مصغرة تكبح جماح عودة اليمين المحافظ إلى السلطة مجدداً وقد ظهرت غيوم صغيرة محملة بالشكوك حول إمكانية إعطاء تلك الحكومة المصغرة صلاحيات تتناسب مع حجمها وأطر تحركاتها وتعتبر تلك الصلاحيات المظهر الأساسي للنهج الليبرالي على الصعيد السياسي.
ويصنف الرئيس أوباما اليوم كما صنف سابقاً «بيل كلينتون» في الوسط لاينتمي لليمين ولا لليسار مع ميله للحلول التي يعتمدها القطاع الخاص بدلاً من لجوئه للحلول ذات المساحات الشعبية، وعلى غرار «كلينتون» تبنى أوباما النصيحة الاقتصادية السائدة ونأى بنفسه عن جدول عمل السياسة الاجتماعية للجناح اليساري لحزبه فكيف يسقط «أوباما» في المصيدة ذاتها التي وقع فيها «بيل كلينتون» رغم الفرصة المتاحة أمامه للاطلاع على الأخطاء السياسية التي ارتكبها سلفه ويسمح بتشبيهه بالليبرالي «ليندون جونسون» . يرتبط جزء من الإجابة على هذا التساؤل بالأوضاع التي ورثها أوباما عن بوش الابن بدءاً بالكساد الاقتصادي والعجز الكبير في الميزانية مع مطالبة مكبوتة للحكومة للقيام بعمل تجاه قضايا تتراوح بين الرعاية الصحية والتغير المناخي وبينما انصبت مساعي كلينتون عن شرح طروحه المتمثلة بتحديد الفعالية الفيدرالية في الولايات المتحدة والتي تنم عن مسؤولية شخصية شُحن أوباما بمقاومة تحديد فلسفته بأي طريقة كانت ونجم عن معارضة التعبير تلك بالنسبة لرؤية واضحة حول دور الحكومة حذر باتجاه الايديولوجية التي طرحها خلال برنامجه الانتخابي رغم أنها ظاهرة صحية، فالرئيس الأميركي يعتقد أنه من أنصار فلسفة الذرائع فقد اتجه بشكل غرائزي نحو إيجاد تسوية مع الجمهوريين ولم يتوقف إلى الآن عن تلك المبادرة رغم فشل الجمهوريين في البحث عن نقاط مشتركة نسبياً مع هذا الرئيس الديمقراطي حول العديد من القضايا الرئيسية.
فبرنامج الرعاية الصحية الذي صادق عليه الكونغرس هذا العام تصدى له الجمهوريون الذين رفضوا الموافقة عليه يشكل مثالاً جلياً عن تلك التوجهات المغلوطة وقد فضل أوباما توصيف الحكومة بأنها تسهم في توفير الفرص والدخول إلى الأسواق الخاصة بدلاً من أن تكون الضامن للحصول على فوائد أوسع عندما تصبح تلك الأسواق عالمية، فمن خلال أسلوبه الذرائعي فشل أوباما في تهدئة قلق ومخاوف الناخبين حول التوسع غير المحدود لجمهورية أميركية يسودها نظام دكتاتوري، وتغالي الحكومة في إثارة تلك المخاوف التي تحولت إلى طباع متأصلة في الفكر والروح الأميركية، فالجانب العقلاني لدى أوباما يثمن ذلك انطلاقاً من أن الدولة تنمو استجابة لحالة حرب أو لحاجة اقتصادية ملحة لكن تتعرض تلك المعايير المؤقتة للاستمرار لفترة طويلة بعد انتهاء الأزمة المترسبة، فإنفاق الحكومة على كل المستويات كان يبتلع 33٪ من الناتج المحلي الإجمالي أواخر التسعينيات من القرن الماضي وصل هذا العام إلى 44٪ فالأزمة المالية العالمية تتطلب توسعاً مؤقتاً وقوياً على صعيد الإنفاق.
إذ تذكر المسؤولون في الكونغرس الذين عمدوا إلى مضاعفة نفقات واشنطن في ظل حكومة بوش الابن وبشكل مفاجئ عندما أصبحوا في المعارضة أنهم ينادون بمبادئ مغايرة.
فالجمهوريين على وشك الإعلان عن برنامج معارض لتوجهات وسياسة الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة مع رص صفوفهم لمواجهة كل مايطرحه أوباما، فالفراغ الذي خلفه الجمهوريون جعل الاهتمام ينصب في مصلحة المرشحة للرئاسة الأميركية «سارة بيلين» التي تجلب تعليقاتها العبثية عبر قناة فوكس وتوتير التسلية لجمهور المشاهدين، وللتصدي لتلك الهجمات التي يتعرض لها أوباما وحزبه يجب عليه أن يوضح لماذا لم تؤد سياسته إلى قيام دولة أكثر تطفلاً وفاقدة المرونة الاقتصادية لذلك أخفق أوباما سواء كان بسبب افتقاره لرؤية سياسية واضحة المعالم حول دور واشنطن محلياً وعالمياً أو لسبب آخر.
فبعد الهزيمة التي واجهها «كلينتون» عام 1994 كان أمامه خيارات محدودة سواء بالتخلي عن المبادرات الكبيرة أو اعتناق الفكرة القائلة: إن «حقبة الحكومة الكبيرة قدانتهت» ولم يبقَ أمام أوباما سوى أسابيع معدودة تفصله عن موعد الانتخابات النصفية القادمة في تشرين الثاني، وفي حال فشل في شرح وتفسير مفهومه لحدود فعالية حكومته وقيودها فمن المرجح أن يواجه قيوداً جديدة تفرض عليه لاحقاً.