تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الناقد والمنقود في تراثنا الأدبي

كتب
الأربعاء 22-9-2010م
باسم سليمان

يبدو سؤال ,هل كان في التراث العربي نظرية نقدية موحدة ومنفصلة عما جاورها من حقول معرفية من دين وفلسفة وغيرها أم أن الأمر شتاتا بين تلك الحقول وخاصة أن المفكرين العرب التراثيين كانوا ذات طبيعة موسوعية , فتكلموا وأبدوا آراءهم في كل شيء, ضمنا النقد المبثوث بين طيات مؤلفاتهم .

هذا الطرح السابق هو الخلفية التي ينهض عليها كتاب « محورية النص الأدبي » للكاتبة حبيبة مسعودي وبه تقدم حوارا مع النقد كرديف للعملية الإبداعية للنص , فتقف عند مصطلح النص والنقد, فترصد لغوية المصطلح وتطور دلالاته ومدلولاته بين المعاجم اللغوية إلى أن تقعد العملية النقدية في الجدل البنّاء والفني الذي يعطي للنص أمداء جديدة تبتدئ من نقطة وتنتهي في نقطة معينة مستكشفا مدلولاته والرؤى الخفية التي يعتمر به النص عبر دراسة سياقاته الأسلوبية واللغوية والمنهجية ومرجعياته ولكن دون القبض على مدلولاته كاملة وذلك لمجافاته للعقل والمنطق كما يقول أمبرتو إيكو, فالنقد بناء فني يقوم به الناقد للكشف عن جماليات النص المخبوءة فيه.‏‏

مسعودي في درسها هذا تنتقي من التراث ما يسمح لها بالوصول لإجابة عن التساؤل السابق الذكر , فتقارب كتاب الجاحظ « البيان والتبيين» وتختار العنوان مدخلا يوطد طرحها , فترى أن العنوان والذي هو مفتاح الكتاب وفق منهج التحليل النفسي والتأويلي أن الجاحظ قد عنون كتابه بالعتبة التالية « البيان والتبيّن» وذلك يعود للأسباب التالية : وعيه بأهمية العنوان وجدل السكون والحركة بين الأسماء والأفعال ,فإذا أخذنا أن عنوان الكتاب هو «البيان والتبيّن» لا «البيان والتبيين » نجد أن الجاحظ يريد مشاركة المتلقي فيما ينتج ,فهو يسعى إلى أن يجعل المتلقي في مستوى المبدع في كتابه , فالبيان متصل بالمبيّن وهو الباث أي الجاحظ, فكانت الحاجة إلى البيان تبيانا للخطاب الذي يريد الباث توصيله للمستقبل / المتلقي,فعليه يكون عنوان كتابه « البيان والتبيّن».‏‏

وبعد ذلك تأخذنا لنكتشف أن الجاحظ كان من السباقين في العملية التأويلية وأنه لم يكتف بما قاله الأسبقون بل زاد عليه لتتكشف مدلولات جديدة للدوال ومعان جديدة للكلام عن طريق مقاربة أصناف الدلالات على المعاني التي قاربها الجاحظ.‏‏

وهي اللفظ والإشارة والعقد والخط والنِّصبة . اللفظ هو الملفوظ الثابت المعنى ولكن الجاحظ لاحظ ما يمكن تسميته معنى المعنى كذلك الإشارة عندما عندها مساعد للفظ بل رديف له والعقد كونه هو يجمع النص ويوجه في وجهة معينة ثم الخط ومدلولاته التي يحملها وصولا إلى النِّصبة التي تفيد التأمل العقلي وكل ذلك عبر تحليل لغوي وتبيّن الخلفية المعرفية التي ينطبق عليها نص الجاحظ وخاصة كما سبق الذكر بتداخل الحقول المعرفية عند مفكرينا التراثيين .‏‏

وتخلص حبيبة مسعودي إلى أن العرب كانوا يملكون في ماضيهم الفكري نظريات نقدية لو بحث بها وتم تفعيلها من جديد لأغنت مفكرينا عن الارتهان للنظريات النقدية الأجنبية الصادرة عن منظومة فكرية تختلف عن منظومتنا ولكن هذه النظريات مبثوثة بشكل طيف بين ثنايا فكر المفكرين العرب القدماء لذلك يجب البحث جيدا وفق منهجية تعي طريقة تفكريهم الموسوعية .‏‏

محورية النص الأدبي لحبيبة مسعودي صادر عن دار تكوين لعام 2010‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية