لكن واقع الأمر غير ذلك، فربما تبقى تفاصيل كثيرة طي الكتمان لضرورات تؤخذ بعين الاعتبار وتمر السنون وثمة من يراكم في هذا الحدث أو ذاك إضافة غير صحيحة إلى أن تأتي ساعة كشف الحقائق التي أبعدت جانباً لحين من الزمن.
كوهين الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدم في دمشق نسجت حوله الكثير من القصص والمرويات ، بعضها ذهب به إلى أماكن لم يصلها أبداً، وبعضها الآخر حاول أن ينسب بطولة إلقاء القبض عليه إلى نفسه ، ولكن في الحقيقة كوهين ليس إلا مشروع جاسوس لم يكتمل .
بحث عن الحقيقة
الزميل هاني الخير كثف البحث في قضية إيلياهو كوهين وكانت حصيلة ذلك كتابه الجديد المعنون إيلياهو كوهين مشروع جاسوس لم يكتمل، كيف اكتشفناه واعتقلناه.
يقدم للكتاب سعيد جاويش قائد عملية المداهمة التي اعتقلت كوهين ويشير في تقديمه إلى أن الكتّاب أطلقوا لخيالهم العنان مستفيدين من ايحاءات بعض المغرضين الذين يكرهون سورية فأقدموا على كتابة ماشاؤوا من معلومات ملفقة دون أن يتصدى لهم ممن يعرفون الحقيقة كاملة ليضعوا المواطن السوري والعربي أمام الحقيقة من البداية وحتى نهاية الجاسوس على حبل المشنقة عام 1965، ولما كنت أعيش قصة الجاسوس كوهين ومشاركاً في متابعة نشاطه منذ بداية العام 1962 ولغاية قيامي باعتقاله في رمضان 1965 فكان لابد لنا من الرد على هؤلاء الكتاب وسرد الحقيقة وقصة الاكتشاف كما حصلت وكذلك الاعتقال ومن ثم المحاكمة والعقاب .
بدوره يشير الزميل هاني الخير إلى أنه أخذ المعلومات مباشرة من السيد سعيد جاويش الذي امتهن بعد تقاعده الأعمال الحرة والتجارة الدولية وإنه حصل على معلومات جديدة وتفصيلات منسية في غاية الأهمية تنشر لأول مرة ما اضطره إلى مراجعة قراءاته القديمة والجديدة من حياة كوهين وملابسات دخوله إلى سورية، ورصد نشاطه التجسسي وتحري حقيقة الأشخاص المدنيين والعسكريين الذين التقاهم وهم لا يعرفون حقيقته، لأن ما أعلنه السيد جاويش غير متداول، حيث ينفي السيد جاويش جملة وتفصيلاً من أن تكون السفارة الهندية بدمشق أو غيرها من السفارات هي الجهة التي قدمت شكوى مستعجلة إلى وزارة الخارجية السورية تعلمها فيها أن اتصالاتها اللاسلكية تتعرض إلى التشويش بصورة مستمرة، ما دفع الخارجية السورية إلى مخاطبة الأمن السوري لمعرفة السبب وبدوره قام الأمن بالتحقيق في هذه الحالة الغامضة فكانت النتيجة إلقاء القبض على كوهين .
البداية
بدأ راصدو الوحدة 134 بالتقاط إشارات لرسائل مشفرة مرسلة من جاسوس على تردد كان يشغله الموساد يبث من فلسطين المحتلة الأمر الذي أثار ارتياب المراقب مصطفى كيالي وتقرر بعد ذلك متابعة هذا الاتصال ورصد مكان البث، وقد تبين أن مصدر البث هو الأراضي السورية، وأن الإرسال يصدر عن جاسوس في سورية يقوده الموساد الإسرائيلي ، واستمرت المتابعة ثلاث سنوات ثم بعدها حصر مكان البث في مثلث: السبع بحرات- ساحة الأمويين- أبو رمانة، وتمت متابعة الكثير من الأبنية والبيوت، وأثار ذلك احتجاج البعض لذلك ثم اللجوء الى المراقبة المباشرة للمباني في المنطقة إلى جانب أجهزة الالتقاط فوجدنا على سطح أحد المباني ( هوائي- افقي) ركبه صاحبه تركيباً فنياً ( يستخدم للراديو فقط) كان هذا اللاقط في منتهى الاتقان من حيث موقعه على سطح البناء والنازل إلى الطابق الرابع.
هذا الهوائي ركب بشكل فني غير مألوف تركيبه بالنسبة لأجهزة الراديو العادية، فأرسلت أحد عناصرنا لمعرفة اسم قاطن الشقة فذهب وعاد و أخبرنا أن الاسم على جرس الباب هو « كامل أمين ثابت» .
في اليوم التالي صباحاً وأثناء الإرسال قطعنا تيار الكهرباء عن عداد منزل كامل المركب خارجه قطعات سريعة ثلاث، بعدها عدنا إلى أجهزة الالتقاط العائدة لنا فوجدنا بالتسجيل ثلاث قطعات فتأكد لنا أن الهدف المطلوب هو منزل « كامل ثابت أمين».
ولئلا يفقد القارئ متعة متابعة الكتاب نكتفي بهذه الخطوط العريضة مع الإشارة إلى أن المعلومات الواردة في الكتاب بعضها ينشر لأول مرة ومأخوذة من رجال الأمن الذين نفذوا عملية إلقاء القبض على الجاسوس وثمة تفاصيل موسعة لمحاكمته ومحاولات التأثير على مجرى المحاكمة.
يقع الكتاب في 230 صفحة من القطع الكبير موثق بالصور الفوتوغرافية لبعض الشخصيات وأجهزة الإرسال المستخدمة .
اسم الكتاب: إيلياهو كوهين مشروع جاسوس لم يكتمل
اسم المؤلف: هاني الخير
اسم الناشر: دار الفتاة