تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بؤس الديمقراطية!

كل أربعاء ..
الأربعاء 22-9-2010م
سهيل إبراهيم

من جديد يفضّ الأفغان أختام صناديق الاقتراع، وتنهمك لجانهم الانتخابية بفرز و عدّ الأوراق البيضاء، التي اكتحلت بالأسماء الطامحة لدخول جنة الجمعية الوطنية في لعبة يتدرب الأفغان دون جدوى على إتقان الرقص في ملعبها منذ الأشهر الأولى للغزو الأطلسي،

الذي اجتاح بلداً يحيا طقوس القرون الوسطى، بعد أن اغتالت الحروب الداخلية والخارجية أمنه واقتصاده، وسدت في وجهه سبل التنوير والمدنية، وألقته في النهاية فريسة بيد الاحتلال منذ مطلع هذا القرن، بحجة إيواء الإرهاب وحضانته، والتسبب غير المباشر بأحداث الحادي عشر من أيلول في نيويورك وواشنطن عام 2001!‏

لعبة الديمقراطية البائسة التي تدور عجلتها وفق مشيئة المحتل، وتحت سقف مصالحه، وسط دخان الانفجارات، واستنفار الأسلحة الخفيفة، وتربص طالبان بالطرق الوعرة التي تعبرها صناديق الاقتراع الى المراكز الانتخابية النائية على ظهور الحمير! التي مازالت الواسطة المثلى للانتقال والنقل في بلد الديمقراطية الوليدة، التي تمتحن اليوم استجابة العقل الأفغاني لهذا النمط من إدارة الحياة السياسية تحت قبعة حامد كرزاي القادم إلى وطنه الأم بعد انقطاع طويل، من ثقافة الجمهوريين والديمقراطيين في الغرب الأميركي البعيد، الذي بات لا يرى تناقضاً بين ثقافة الغزو والاحتلال التي يحمل لواءها في الشرق، والثقافة الديمقراطية التي يروج لها في البلد المحتل ويصدرها إلى العالم بحاملات الطائرات والقاذفات الثقيلة!‏‏

مثل ذلك حدث ويحدث في العراق منذ عام 2003، ومنذ انهيار الدولة العراقية وتشتت النخب السياسية في العراق، والتمارين الإجبارية على الحرب الأهلية، ونحر الشعور القومي، واستبداله بالعصبيات والتمترس الفئوي، وتلميع الأفكار التقسيمية تحت عناوين الفيدرالية، وتعميق الهوة بين المكونات العراقية التي كانت في الأمس القريب تزدهر بوحدتها ومشروعها الوطني والقومي الواحد! في العراق أيضاً يجري التدريب على الاستجابة للدرس الديمقراطي المقرر للعراقيين تحت حراب الاحتلال، ووسط حرائق القصف، ودخان الانفجارات، وأنهار الدم التي تسيل في شوارع المدن العراقية، وتعتكر بها مياه دجلة والفرات منذ سبعة أعوام، درس ديمقراطي ينهض على الأنقاض، ويلقي خطابه الملتبس كصفير الريح في الخراب!‏‏

نموذجان يختبر العقل المشرقي اليوم جدوى «نعيمهما» الديمقراطي، ويقرأ كتابيهما في كل الدول النامية التي تواجه تحدي الديمقراطية، بعد هبوب رياحها الاحتلالية من الأفق الغربي المتخم بقواعد الحريات العامة، وأفكار حقوق الإنسان، والمغلق على مفاهيم مسبقة لطبيعة الأمم الأخرى وحاجاتها الإنسانية ومشكلاتها التنموية، ذلك الأفق الغربي الذي تطير منه على مدى العقود الفائتة وصفات مسمومة لحياة البشر في هذا الشرق، كان آخرها جرم الغزو والاحتلال المحمول على جناح وصفة ديمقراطية سقيمة!‏‏

ما الفرق بين أن تنفتح صناديق الاقتراع أو تنغلق بمشيئة الاحتلال، أو بمشيئة السلطات المستبدة التي قطع السلاح الأميركي آلاف الأميال ليسقطها ويكسر شوكتها، ثم يجلس على كرسيها ويعيد إطلاق قوانينها وشرائعها لمصلحته، ووفق ما يفيده في تثمير الاحتلال وحصد مغانمه، وما الفرق بين أن يكون التزوير والتواطؤ على إرادة الناخبين مذهباً سلطوياً محلياً في الدول النامية، وبين أن يكون مذهباً احتلالياً تديره أصابع بول بريمر في العراق، أو الجنرال بترايوس في أفغانستان، وما الفريق بين فساد يستثمره الشُطّار المحليون، وفساد يستثمره تجار المخدرات من ضباط وجنود الجيوش المحتلة، وأين تستشعر الديمقراطية عافيتها في الحالتين، إلا إذا كانت ديمقراطية الخراب هي الأصلح لأمم تعودت أن تكتب تاريخها بشواهد الخراب!‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية