تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العودة الروسية إلى الشرق الأوسط

شؤون سياسية
الجمعة 25-12-2009م
د.سعيد مسلم

منذ وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة في روسيا عام 2000 بدأ الحديث عن السياسة الروسية الجديدة، وسطوع النجم الروسي، وتوجهات بوتين القيصرية، واستعادة المكانة والنفوذ العالميين لروسيا وصولاً إلى الحديث عن «الامبراطورية الروسية الثالثة».

وقد اتضحت الأهداف والمعالم المستقبلية للسياسة الروسية الراهنة مع الإعلان عن خطة استراتيجية في العام 2008 عرفت بـ خطة بوتين والتي مفادها إخراج روسيا من تحت الركام لتشكل ثقلاً اقليمياً ودولياً، بعد معاناة صعبة مع تخبط وفوضى البيروسترويكا التي قيل عنها «سكرة الموت».‏

وهكذا أصبح بالإمكان الحديث عن بيروسترويكا بوتين أو روسيا الجديدة وأخذ الاهتمام ينصب في دائرة المصالح الروسية المفقودة أو المتراجعة وخصوصاً الشرق الأوسط.‏

والحديث عن هذه المصالح وآليات استعادة الأدوار والرهان على المكانة المرموقة من هناك يقودنا إلى تشخيص طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجيات المتعامل بها في تلك المنطقة.‏

ويمكن عرض البعض منها وفق المشهد السياسي الراهن على الشكل التالي:‏

1- تنظر السياسة الروسية بجدية مطلقة إلى أن الجيوبولتيك والجيواستراتيجيا يكملان بعضهما البعض وأن القيمة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط مازالت في صدارة الاهتمام العالمي، ولايمكن للنظام العالمي أن يتشكل بعيداً عن القيمة الاستراتيجية تلك، أي بمعنى العودة للتذكير بنظريات قلب العالم ومركز التوازن وسياسة المياه المفتوحة والممرات الاستراتيجية.‏

وعليه فإن أي دور روسي أو أميركي أو أوروبي - آسيوي أم إفريقي، إقليمي أم دولي، ستكون منصة ارتكازه ورافعة شأنه منطقة الشرق الأوسط.‏

وبما أن الإمكانات والإرث والتوجهات الروسية مؤهلة لحجز مكان واضح في خارطة تشكل العالم الجديد، المراد له أن يكون مستعداً في أقطابه، وسياساته واقتصاداته، وضمان بسط كياناته وتوضح ملامحه «الحوار والتشارك» وفرضية أطراف الحوار والشراكة تلك تستند إلى الاعتراف بالآخر دوراً ونفوذاً وفعلاً من منطلق الندية في كل شيء، وتقدير المصالح مهما علا أم قل شأنها!‏

وعلى هذا الأساس ترى السياسة الروسية أن أهم نقاط الارتكاز الحالية في الشرق الأوسط هي:‏

حيث في سورية بوابة الشرق العربي، ومفتاح الاستقرار وقلب العالم العربي، وفي تركيا الجسر الواصل بين الشرق والغرب، والمنطقة التي تجسد ثلاث دوائر جغرافية، الدائرة الأوروبية، الدائرة العربية - الدائرة الآسيوية الوسطى، وتزداد أهميتها في ضوء التوجهات الراهنة التي تسعى إلى صياغة تكتل استراتيجي مابينها وبين سورية والعراق وإيران.‏

أما الإمارات العربية المتحدة فتنظر إليها روسيا على أنها تمثل ظاهرة فريدة على خريطة العالم العربي وخريطة العالم عموماً، كونها مركزاً نفطياً كبيراً ومركزاً تجارياً عالمياً ومركزاً سياحياً دولياً وتلعب دوراً سياسياً مهماً على الصعيدين العربي والإسلامي ولها قيمة استراتيجية واضحة وقيمة جيوسياسية على الصعيدين الدولي والعالمي، وهي تضم حالياً أكبر جالية روسية في منطقة الخليج.‏

أما الجزائر فهي شريك مهم لروسيا في شمال افريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط باعتبارها مصدرة للغاز إلى أوروبا وهي بذلك تتكامل مع روسيا في هذا الدور وخصوصاً مع التوجهات الراهنة لإنشاء تكتل روسي جزائري لصناعة الغاز، يكون نواة للتكتل الغازي العالمي على غرار أوبك العالمية، الأمر الذي لقي ترحيب الدول المنتجة للغاز.‏

وفي ضوء هذه الاهتمامات شهدنا تطوراً سريعاً ولافتاً للعلاقات الاقتصادية الروسية مع تلك البلدان، وإطلاق مشاريع استثمارية ضخمة على صعيد النفط والغاز والسياحة والصناعات الالكترونية والكيمياوية، والتسلح والبنى التحتية والعقارات، وألغت روسيا جميع ديونها السابقة من العهد السوفييتي في تلك الدول، وتطور حجم المبادلات التجارية إلى عشرات المليارات من الدولارات وهي في مزيد من التحسن والانتشار.‏

2- تتفهم روسيا جيداً، وتراقب بل تعمل من تحت الطاولة وفوقها على استمرار إخفاق المشروع الأميركي الأحادي في العالم وفي الشرق الأوسط خصوصاً، وهي حين عارضت الحرب على العراق كانت تدرك تماماً أن الخروج من المستنقع العراقي لن يكون أسهل من الغوص السوفييتي في المستنقع الأفغاني وكم كلف الامبراطورية السوفييتية مادياً ومعنوياً بل استراتيجي وتدرك تماماً أن فراغاً سياسياً وعالمياً لابد من حصوله على خارطة النظام العالمي الجديد وهي بمواقفها الحيادية أو على الأقل عدم انخراطها في هذا المشروع ستضمن طريق العودة إلى الساحة الدولية والشرق أوسطية.‏

وهي تراهن على سياسة الاندفاع نحو الأمام مقابل كل خطوة تراجع لذاك المشروع، وتدرك يقيناً أن التجربة السوفييتية في أفغانستان لن تكون أسوأ حظاً من التجربة الأميركية الراهنة هناك، وأن النصر المؤزر الموعود في استراتيجية أوباما الأفغانية لن يتحقق وهذا سيضيف إلى رصيد روسيا الشرق أوسطي مزيداً من الأدوار والمكانة والنفوذ.‏

كما أنها تعمل على مبدأ المنشار في طريقة تعاطيها مع الملف النووي الإيراني، إذ إنه من المفترض أن تنخرط الإدارة الأميركية والقوى الغربية في خيارين إما الحل الدبلوماسي أو العسكري وعلى الجهتين سيكون الحصاد الروسي وفيراً من هذه القضية، مايعزز فرص عودتها إلى المنطقة بقوة وفاعلية ،ما يخدم توجهات الامبراطورية الثالثة، التي أشرنا إليها بداية، وهذا سوف يتضح بشكل أكبر في فترة بوتين الرئاسية المكررة بعد سنتين.‏

في كل الأحوال أطلقت الدبلوماسية الروسية ومنذ خطة بوتين الاستراتيجية 2008 إيذاناً بالاندفاع إلى المكانة العالمية وقالت حينها المصالح الروسية في الشرق الأوسط إلى الأمام سر!‏

مدرس في كلية العلوم السياسية - جامعة دمشق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية