تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طبيعة المقصلة المتربصة برقبة القضاء البريطاني

شؤون سياسية
الجمعة 25-12-2009م
علي الصيوان

تعد مسألة ليفني وما أثاره قرار قاض بريطاني بإلقاء القبض عليها نقطة علام إيجابية في التتابع الاجرائي لتقرير غولد ستون، بعد إقراره في مجلس حقوق الإنسان.

فالتقرير صار ركناً في مناخ أممي قابل للتوسعة والمأسسة، ويمكن الاعتداد به، والبناء عليه، حتى في البلدان التي صوتت ضد اعتماده مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بالذات.‏

بيد أن التوسعة والمأسسة إلى أن يصير التقرير الأممي ثقافة ذات تقاليد في مطاردة مجرمي الارهاب الصهيوني الرسمي، إنما هي مهمة سياسية عربية تقتضي أن تكون قدوة تحتذى ، ومن أجل أن تراكم المترتبات الاجرائية لتقرير غولد ستون مقومات لحظة يلتقطها العرب في صراع ارادات، طالما أجاد الصهاينة فيه الامساك بزمام المبادرة أمام الرأي العام العالمي، وأضاع العرب في مجرياته فرصاً كانت سانحة لهم وللرجال الشجعان في العالم الواسع الذين يتفهمون قضايانا العادلة ويساندون كفاحنا من أجل الحرية.‏

ولنا أن نستقرئ في المسارعة الاسرائيلية إلى إدارة الموقف من قرار القاضي البريطاني المعلن عنه في 13/12/2009 ما يجب عمله عربياً.‏

وأول ما تجب ملاحظته في إدارة الموقف هو أن اسرائيل كلها تحولت إلى «خلية أزمة» وعلى نحو امَّحت معه الفروق بين حكم ومعارضة وبين يمين ويسار ثم بين مسؤولين عاملين وسابقين في الأمن والسياسة ومراكز الأبحاث.‏

ومثل هذا الاصطفاف ليس برهاناً على مدى خطورة مسألة ليفني بل هو عظة غير مباشرة للعرب قطراً قطراً وفي منظومتهم القومية: جامعة الدول العربية للاصطفاف كذلك في مواجهة المسائل المسلّم أنها ذات خطورة كديمومة حصار قطاع غزة، ومهددات مبنى المسجد الأقصى .‏

وفي البيئة التي صاغها هذا الاصطفاف الاسرائيلي، وهو ليس الأول من نوعه في أداء هذا الكيان ، مقبرة للرؤى السياسية عند بعض العرب، وعند بعض الفلسطينين بصفة خاصة الرؤى التي ترسم حسابات وتعلق آمالاً على افتراض أن هناك «يساراً» في صف المستعمرين اليهود الصهاينة يمكن التعويل عليه في «مواجهة» ما يسميه أصحاب هذه الرؤى «اليمين» المتطرف!‏

فلقد حكم النفير الاسرائيلي العام حيال مسألة ليفني على الرؤى المشار إليها، والحسابات المبنية عليها بأنها خرقاء ولا تجاوز الترهات.‏

ثاني ما تجب ملاحظته إعراب اسرائيل الرسمي الصريح عن القلق من السياسة البريطانية الحاضنة للقرار القضائي الخاص بليفني وعلى نحو لوّح فيه الاسرائيليون بوضع علاقتهم مع المملكة المتحدة على المحك، تلويحاً بلغ مستوى الابتزاز بتفعيل مافي يدهم من عوامل قوة راهنة ومحتملة وحتى بما هو واقع خارج حيازتهم كتهديد لندن باستبعادها عن المشاركة في عملية سلام «الشرق الأوسط» .‏

وهذا درس قاس للدبلوماسية العربية يتكون في محاولة السطو الاسرائيلي على استطاعة المنع والمنح في شأن عملية سياسية لا تخصها وحدها.‏

واسرائيل هنا تبعث برسالة إلى من يعنيهم أمر عملية السلام، وخاصة موسكو، مفادها أن الحكومة الاسرائيلية تحتكر القرار في شأن تحريك جهد دولي للسلام أو تعطيله مثل المؤتمر الذي تعمل روسيا لاستضافته على غرار «أنابوليس» وتبذل اسرائيل قصارى جهدها لإحباط مجرد انعقاده، نهوضاً منها بمهمة مشتركة مع الولايات المتحدة، هي محاولة تهميش الدور الروسي وإبعاده عن الحضور النشط والموازن للدور الأمريكي في الوطن العربي.‏

ثالث ما تجب ملاحظته في إدارة اسرائيل لمسألة ليفني هو حصادها الوفير في الهرولة البريطانية إلى الاستجابة للمتطلبات الاسرائيلية .‏

فلقد سارع كل من ميليبان وزير الخارجية، وبراون رئيس الوزراء إلى الاعتذار عن اصداره مذكرة جلب ليفني للتحقيق وإلى الاتصال بالوزيرة السابقة ليفني للترحيب بها في زيارة تقوم بها للمملكة المتحدة في أي وقت ترحيباً مشفوعاً بتقويض هيكلية النظام القضائي البريطاني التي تخوله مساءلة مجرمي الحرب من أي جنسية قومية.‏

وعلى الرغم من أن أحاديث إضافية انطلقت في الإعلام وفي أوساط حقوقية بريطانية حول الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية وحول استقلالية القضاء البريطاني فإنه من الوهم الركون إلى أن باب قفص العدالة أصبح مشرعاً لاستقبال مجرمي الحرب الاسرائيليين.‏

إذ إن الهرولة الحكومية البريطانية لطمأنة ليفني واستئصال فتيل الانفجار من القلق الاسرائيلي إنما تنطوي على آلية اجرائية تتربص مقصلتها برقبة استقلالية القضاء البريطاني وفيه قانون مساءلة متهمين بارتكاب جرائم حرب في أي مكان ومن أي جنسية.‏

تتكون هذه الآلية في أن تقترع حكومة براون مشروع قانون في مجلس العموم (البرلمان) ينص على إبطال الولاية المناطة بالمحاكم البريطانية للدفاع عن ضحايا جرائم الحرب، ومقاضاة الآثمين.‏

وبصيرورة هذا المشروع قانوناً باعتماده في مجلس العموم وبالمصادقة عليه في مجلس اللوردات تمسي مذكرة جلب ليفني واسرائيليين آخرين مثلها إلى المحاكم البريطانية لاغية وغير ذات موضوع.‏

وهنا يتعين على الدبلوماسيات العربية تحديد الدينامو المحرك لهذا التناغم «الفلهارموني» بين الحركة الصهيونية وبين «الديمقراطيات» الرأسمالية في غرب أوروبا والولايات المتحدة، وهو أن الجينات الرأسمالية الواحدة الكامنة في صلب النظام الامبريالي، والصهيونية في متفرعاته، لا تسمح باستقلالية قضاء خارج مساحة«البروباغنده» الدعوية إلا إذا أعاق تفرع امبريالي كنظام الأبارتيد في الجنوب الإفريقي مصالح البلدان الامبريالية الأم.‏

وخارج هذا السيناريو تعذرت مبادرات الرجال الشجعان من الحقوقيين البريطانيين، والنائب جورج غالوي، العامل بدأب ملحوظ عزّ نظيره لكسر حصار غزة مجرد جزر منعزلة في بحر الظلمات الامبريالي .‏

وبالمقصلة الامبريالية المتربصة برقبة استقلال القضاء البريطاني يتجدد شباب المقصلة نفسها التي وأدت استقلال القضاء البلجيكي في جلب شارون إلى قفص العدالة في بروكسل للمساءلة عن جريمة صبرا وشاتيلا.‏

وهنا مرتسم المستوى غير المنظور من المقاربة الاسرائيلية لمسألة ليفني.‏

لقد كان الشهيد ايلي حبيقة مدججاً بالوثائق والثبوتيات التي تجرم العدو الصهيوني في اقتراف جريمة صبرا وشاتيلا 1982 وهو كان قيد التوجه إلى القضاء البلجيكي لتقديم هذه الأدلة ضد شارون لكن حبيقة لم يصل ولم يقض في حادث سير بل إن يداً غادرة نالت منه لتدفن أسراره معه .‏

فهل يأخذ الأشقاء العرب المطبعون مع «اسرائيل» الدرس من كيفية المقاربة الصهيونية لمسألة ليفني أمام القضاء البريطاني ومسألة شارون أمام القضاء البلجيكي بالامتناع عن استضافة مجرمي الحرب الاسرائيليين لتكريس ثقافة غولدستون؟‏

siwan.ali@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية