تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«إذ يعود رمضان»

معاً على الطريق
الخميس 3-7-2014
لينا كيلاني

صحيح أنني وأبناء جيلي لم نعاصر التقاليد الدمشقية العريقة في الحياة، وفي المناسبات الخاصة والعامة، وفي الحارات والأحياء والتي لا تنحصر فقط في الملبس، أو المأكل، أو الاحتفالات الدينية،

أو المناسبات الاجتماعية، أقول إننا لم نعاصرها، ولم نشاهدها اللهم إلا في التلفاز لكننا نعي تماماً ماذا تعني هذه التقاليد وهذه العادات لأننا نمارسها في الواقع ولكن بطرق معاصرة، ولأن القيم ثابتة ولو تبدلت المفاهيم.‏

تقاليد أعرفها وتعرفونها من خلال الصلات الاجتماعية في الأعياد، أو التراحم في رمضان، هذا الشهر الذي يأتي متفرداً بين شهور السنة، أو الاحتفاء بساكن جديد يأتي الى الحارة أو الى البناء، أو في أطباق الطعام التي ترتبط بمناسباتها، أو في أصول رعاية الغرباء، وغيرها الكثير مما أتذكره ومما قد لا يحضرني الآن. إنه التراث إذاً الذي تنطوي عليه دمشق وتعلن أنها لن تتخلى عنه ولو تبدلت الطرق في التعبير عنه.‏

إذاً.. فهذا مثال عن شكل من أشكال الثقافة التي تتطور وتتعزز وتدخل في نسيج مجتمعنا هكذا بيسر وبساطة، لأنها كالفروسية وإن كانت هذه الأخيرة تبدو الآن كرياضة من الرياضات إلا أن لها تقاليدها وأخلاقياتها التي لا تختلف أبداً عن أخلاق أهل بلاد الشام في الأمانة، والشهامة، وحسن الضيافة، والصفات الرفيعة الأخرى.‏

في هذه الأجواء المفعمة بالطمأنينة والاستقرار نشأت وأنا أتنقل بين الكنائس والمساجد.. إذ كانت مدرستي الابتدائية في حي باب توما.. وأنا أقفز مع رفيقاتي ورفاقي ممن هم في مثل سني كالعصافير فوق الحجارة السوداء التي ترصف تلك الحارات.. والسلام يتسرب الى نفوسنا وكأن السيد المسيح قد سكبه في هذا المكان مع تعاليم الدين المسيحي.. وما من فرق بين مسلم أو مسيحي. هذا التعانق الديني ولا أقول التآلف لأنه تعانق حقيقي، هو التعبير عن دمشق التي لم نجد فيها إلا التآخي والوئام. وكم كنا نرتهب ونحن نمر أمام إحدى الكنائس في الحارات القديمة، والكبار يقولون لنا إنه كان فيها رأس يوحنا المعمدان قبل أن يستقر في المسجد الأموي.. ويا له من تأكيد عملي لهذا التمازج الذي يحيا فينا بين المسجد والكنيسة.‏

وإذ يعود رمضان هذا العام فإنه يحيي من جديد ما كان بيننا وما هو قائم لا يزال.. وكأنه يقول لنا جددوا ما بينكم من محبة ومودة.. فالصوم عبادة لا تقاس بالجوع والعطش في صيف ساخن أو لاهب لا فرق، بل هو التأكيد على التراحم وحفظ حقوق الغير.. ودمشق الشامخة على مر الأزمان تأبى إلا أن تحفظ في وجدان أبنائها وكل من يسكن فيها تقاليد الأصالة والعراقة وهي تمتزج بتعاليم الأديان.‏

فيا رمضان أفرد عباءتك الشفافة من ضياء فوق أوطاننا.. وفوق بيوتنا.. ونفوسنا.. لترسخ فينا من جديد كل جميل وأصيل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية