تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أفغانستان... استراتيجية جديدة لسياسة قديمة

شؤون سياسية
الأثنين 7-12-2009م
د. إبراهيم زعير

ثلاثون ألف جندي أمريكي جديد سيلتحقون بعد عدة أسابيع أو عدة أشهر بالجيش الأمريكي المحتل في أفغانستان إضافة إلى سبعة آلاف أخرى من دول حلف الناتو الأوروبية.

وبات من حق الأمريكيين على وجه الخصوص والأوروبيين عموماً أن يتساءلوا بتشاؤم وحيرة وشيء من الغضب. هل سيتمكن أوباما وحلفاؤه من حسم المعركة هناك ضد من يسمونهم «الإرهابيين» من حركة طالبان والقاعدة؟ لا شك في أنها تساؤلات مشروعة تعبر عن خوف وقلق من ألا تفضي هذه الخطوة الجديدة إلى أي نتائج ملموسة على أرض الواقع وأكثر ما يثير هواجس الأمريكيين أن إدارتهم التي ينظرون إليها على أنها تورطت في حرب عبثية منذ ثماني سنوات ومقتل أكثر من 800 أمريكي وصرف أكثر من مئتي مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لا يمكنها فعل شيء جدي سوى زيادة الطين بلة.‏

لقد وعد أوباما في استراتيجيته الجديدة في أفغانستان أن إرسال هذا العدد الكبير من الجنود سيقرب يوم عودة قواته إلى ديارهم في فترة أقصاها عام 2011، ولكن الثقة بهذا القول الوعد ضعيف لدرجة أن الأمريكيين والعالم يقولون لماذا تقوم إدارتهم بدعم حكومة كرزاي الغارقة حتى أخمص قدميها بالفساد والمشكوك في نزاهة انتخابه لمنصب الرئاسة أصلاً؟ وهل مثل هذه الحكومة تستحق هذه التضحية من قبل الشعب الأمريكي الذي يتحمل وزر سياسة حمقاء قادها سابقاً بوش الصغير ويتابعها خلفه أوباما وكلاهما يعرف بعمق أن حكومة كرزاي لا تتعدى سلطتها حدود العاصمة كابول وليست مؤهلة لأن تكتسب أي تأييد شعبي لا اليوم ولا في المستقبل؟‏

يبدو أن الثقة بسياسة أوباما الجديدة تجاه أفغانستان وباكستان، مفقودة إلى الحد الذي وصفه الكثيرون من أبناء جلدته بأنه مخادع، ومرر استراتيجيته التي يحب أن يسميها«الحرب الضرورية» بشكل مراوغ، فالأمريكيون يجدون أنفسهم أمام التزام بحرب مفتوحة لا نهاية لها ولا يمكن ربحها، ما دفع بعض وسائل الإعلام الأمريكية إلى وصف أوباما بأنه قصير النظر ولا يتمتع بمواصفات القائد الشجاع لاتخاذ القرارات الصعبة ولكنها الصائبة، أي القرارات القاضية بترك أفغانستان لأهلها وإلا فسيكون مصير قواته تماماً كالمصير الذي واجهته ذات يوم في فيتنام ومن ثم في الصومال والعراق وتواجهه اليوم بحدة في أفغانستان.‏

صحيح أن الشعب الأفغاني لا يحب أفكار طالبان القروسطية ووحشيتهم ولكن فشل حكومة كرزاي وقوات الاحتلال الأمريكي في تأمين الأمن والاستقرار والخدمات الأساسية للحياة المعيشية والاجتماعية للشعب جعل هذا الشعب رغماً عنه يميل لجانب طالبان والحقيقة إلى جانب مقاومة المحتلين وعملائهم لأن الشعب الأفغاني لم ينظر يوماً لأمريكا وحلفائها كمنقذين له من حكم طالبان وهو المدرك أن أمريكا نفسها هي التي أوجدتهم وساعدتهم للوصول إلى الحكم في أفغانستان فينظر إليها كقوة إمبريالية محتلة لا تختلف عن جميع الامبراطوريات الاستعمارية السابقة التي واجهت الفشل والهزيمة في أفغانستان على مدى القرون.‏

لماذا ينظر الأمريكيون والشعب الأفغاني إلى استراتيجية أوباما الجديدة بأنها مراوغة وفاشلة سلفاً؟ المفارقة أن أوباما نفسه اعترف بأن ليس لديه شريك في أفغانستان وسلطة قرضاي لا تتجاوزحدود العاصمة كابول وإن قرضاي عاد إلى منصبه في انتخابات رئاسية بلغ التزوير فيها نسباً عالية لا يمكن تخيلها ففقدت إدارته كل الصدقية في أعين الشعب الأفغاني.‏

والمسألة الأخرى أن أفغانستان تقوم على ثقافة الفساد وأمراء الحرب من الحكومة وقوات الاحتلال وقادة من طالبان يعتمدون في تكديس ثرواتهم الشخصية على تجارة الأفيون.‏

فأفغانستان أصبحت دولة المخدرات الأولى في العالم ومثل هؤلاء القادة غير جديرين بثقة أحد وحتى المليارات من الدولارات الأمريكية التي إن أنفقت على ما يسمى تدريب قوات الأمن الأفغانية لم تحقق هدفها.‏

فالشرطة وقوات الأمن تعانيان الفساد في صفوف قادتها وضباطها وحتى أفرادها وهم محتقرون من أفراد الشعب الأفغاني وأموال إعادة الإعمار تنهب من قبل هؤلاء القادة.‏

والكثيرون يؤكدون أن محاربة حركة طالبان لم يعد يحتاج إلى هذا العدد الكبير من القوات ولا إلى مليارات جديدة من الدولارات.‏

لقد تحولت الحرب إلى وسيلة لانقاذ مالا يمكن انقاذه وأصابت مجلة «ذانايشن» الأمريكية بقولها: «إن الحرب في أفغانستان تحولت إلى معادلة لعملية إنقاذ شركة فشلها محتوم وستؤدي تكاليف الحرب 100 مليار دولار إضافية في السنة أو أكثر للسنوات المقبلة، ببساطة هذه مبالغ لا يمكننا تحمل صرفها على حرب فاشلة بعيدة عن الوطن آلاف الأميال».‏

الحرب الأفغانية هي الأطول في تاريخ أمريكا ولكنها لن تستمر إلى الأبد فالهزيمة تلوح في الأفق وانتصار الشعب الأفغاني بات قريباً، هذه هي النتيجة المنطقية لأي حرب استعمارية عدوانية كما يعلم التاريخ.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية