أحاول ما بوسعي أن ألتزم القضايا المتعلقة بالكرامة الإنسانية والسلام والأمن والثورات ضد الظلم الذي يطول الأكثر ضعفاً دائماً، والعلمانية بالنسبة لي ليست رهاناً سياسياً أو جداراً ضد عدم التسامح لكنها نبع أساسي للقيم الروحية.
هكذا تقدم نفسها فيرونيك دوكيزير الاستاذة الجامعية وعالمة النفس والناشطة في قضايا التواصل الثقافي بين الحضارات وجسر الهوة بينها.
عضو البرلمان الأوروبي منذ عام 2001 والمنتخبة عن الحزب الاشتراكي البلجيكي وهي عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان.
فيرونيك دوكيزير لا تجامل ولا تحابي في القضايا المصيرية، تعلن رأيها بصراحة ووضوح وهي صاحبة صوت عالٍ ضد الظلم والاحتلال أينما كان وعلى رأسه الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية.
في بروكسل كان لنا معها هذا اللقاء الذي عبرت من خلاله عن آرائها وعن سعيها للوصول إلى عالم أكثر أمناً واستقراراً وثقافات أكثر تسامحاً.
من خلال عملك في لجنة العلاقات الخارجية لابد أنك تعاملت مع قضايا تتعلق بالشرق الأوسط فهل تحدثينا عن ذلك؟
أولى هذه المحطات كانت تتعلق بالحرب على العراق ومثل الكثيرين من أعضاء البرلمان الأوروبي وقفت بحزم ضد أي تدخل بالعراق لأني كنت مقتنعة أن لهذه الحرب نتائج كارثية على الشعب العراقي والمنطقة وأعددت دراسة يومها تم تبنيها من قبل الحزب الاشتراكي البلجيكي ونشرت في مجلته، بعد ذلك تابعت اتصالاتي مع شخصيات من العراق وأصبحت قضية العراق بما تحمله أحد همومي وهكذا بدا العالم العربي أحد أولوياتي في العمل السياسي وسعيت جاهدة لأفهم بشكل أفضل الخيط الناظم بين هذه القضايا لئلا أقع في خليط من الأمور.
وحاولت تطبيق علومي الأكاديمية على أرض الواقع فشددت الرحال مرات عديدة إلى الدول العربية بصفتي الشخصية أولاً وضمن مهمات برلمانية ثانياً.
ما الدول التي توجهت إليها؟
طبعاً العراق ثم إيران وفلسطين وسورية وتركيا ومصر ولبنان والإمارات والسعودية.
وكانت غايتي من ذلك أن أكوّن مفهوماً أفضل عن هذا الجزء من العالم وقد ركزت على قضايا سياسية تهم الجميع مثل انتهاك حقوق الإنسان تحت غطاء مكافحة الارهاب.
أما الملف الأكثر سخونة في المنطقة فهو بالتأكيد الملف الفلسطيني وكان لي معه احتكاك منذ أن دعيت لأن أخلف ميشيل روكار في رئاسة لجنة مراقبة الانتخابات التشريعية في فلسطين نهاية عام 2005 وبالمناسبة كانت هذه الانتخابات تاريخية وديمقراطية بكل معنى الكلمة، كما كانت تعبيراً عن الأمل الجامح للشعب الفلسطيني الذي اختار حماس يومها ليعبر عن سخطه تجاه عجز الطرف الآخر أمام الاحتلال لكن هذا الأمل لم يأخذ مداه فقد كسرته المجموعة الدولية إذ إنها بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات انصاعت (أوروبا) إلى ضغوط الولايات المتحدة الأميركية واتخذت عقوبات اقتصادية ضد حكومة حماس وتفاقمت الأوضاع مباشرة بعد الانتخابات التي كانت تاريخية وكنت مثل جيمي كارتر الذي ترأس حينها لجنة المراقبة للمعهد القومي الديمقراطي واعترفنا معاً بانتصار حماس ودعونا إلى الحوار معها، وما توقفت عن هذه الدعوة لمدة سنتين على مقاعد المجلس الأوروبي حتى حدث الانقسام المؤسف بين أبناء الشعب الفلسطيني إلا أن أوروبا لم تغير موقفها، حتى حكومة الوحدة الوطنية بين فتح وحماس التي قامت عام 2007 لاقى أعضاء حماس فيها المقاطعة من أوروبا.
ما رأيك بما يجري في غزة؟
الوضع الإنساني فيها كارثي وقد تمت إدانته من قبل البرلمانيين الأوروبيين جميعاً وآلية المساعدة الأوروبية غير كافية لرفع الحصار وحالة الاختناق عن غزة، حتى الانقسام الذي حدث بين الأخوة عام 2007 كان من صنع وتخطيط الولايات المتحدة الأميركية التي لم تترك لأوروبا مجالاً للحركة، وقد طالب البرلمانيون الأوروبيون بضرورة رفع الحصار عن غزة مؤكدين أنه عقاب جماعي للشعب الفلسطيني وفي جلسة عامة كانت لي مداخلة قلت فيها:
جميع الجدران سوف تسقط يوماً ما، وإن مسؤوليتنا اليوم تاريخية والقضية لم تعد معرفتنا من الذي سيفتح أبواب السجن ولكن من سيجرؤ يوماً على إقفاله مرة ثانية ومن سيجرؤ على إرسال الغزاويين إلى الموت البطيء اختناقاً.
وتضيف قائلة: لقد ذهبت إلى سورية ولبنان في محاولة لدفع عملية السلام وشاهدت عن قرب الأعداد الضخمة للاجئين العراقيين ومأساتهم بتهجيرهم من وطنهم.
الكل يرى ضرورة وجود دور فاعل للاتحاد الأوروبي في عملية السلام في الشرق الأوسط كيف ترين هذا الدور وملامحه؟
من المهم أن نشير هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي يؤدي دوراً مهماً في الشرق الأوسط وخاصة في مجال المساعدة الإنسانية والتنمية، وهي أمور ضرورية بالنسبة لعملية السلام، ومن جهة أخرى لايزال التأثير السياسي للاتحاد الأوروبي محدوداً وأرى أنه يمكن للاتحاد الأوروبي بل يجب عليه أن يؤدي دوراً سياسياً أكثر فاعلية وأهمية في المنطقة ومن أجل ضمان صوابية ما نقوم به من أعمال علينا أن نسعى لتأسيس قاعدة قوية تمثل القيم الأخلاقية وكذلك القيم المشتركة التي يجب أن يتم احترامها في أنحاء العالم كله وهذه القاعدة هي احترام القانون الدولي والحق الإنساني.
رأى وزير الخارجية الفرنسي مؤخراً أنه لم يعد بمقدور أوروبا أن تكتفي بدور الكومبارس في الشرق الأوسط هل نستطيع أن ننتظر دوراً أوروبياً يأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة؟
من المهم أن نشير إلى أنه بالنسبة لنا نحن الأوروبيين لسنا في موقع المشاهدين فقط فيما يجري في الشرق الأوسط لأننا معنيون وبشكل مباشر بصراعات المنطقة، إضافة لذلك لدينا علاقات تاريخية مع هذه الدول ما يزيد في حجم مسؤولياتنا ويجب علينا أن نفهم أنه عندما نتكلم عن الصراع في الشرق الأوسط فالرهان بالنسبة لأوروبا هو مستقبلها، ولهذا السبب آمل بأن تسمح لنا الهيكليات الجديدة والدستورية للاتحاد الأوروبي أن نأخذ مبادرات جديدة في هذا المجال وكوني نائب رئيس لمجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي فسوف أعطي كل الدعم لهذه المبادرات الجديدة وكذلك الفريق الذي أنتمي إليه بكل تأكيد وسوف نبذل الجهود نفسها داخل البرلمان الذي نعمل فيه.
فيما يخص حقوق الإنسان كيف يمكن تفسير مواقف العديد من الدول الأوروبية تجاه تقرير غولدستون الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان وكيف نسوغ تحفظ هذه الدول على القرار وامتناع بعضها عن التصويت، أليس هذا تناقضاً مع دعاة حقوق الإنسان؟
إن تقرير غولدستون هو وثيقة مهمة وأنا أؤيد كل أولئك الذيذ ينادون بوضع حد لسياسة عدم القصاص ولذلك أؤيد بقوة مادعا إليه غولدستون من داخل البرلمان الأوروبي وأؤيد متابعة التحقيقات في الأشهر القادمة كما أنه لدي قناعة راسخة أن الأمم المتحدة تستطيع بل وعليها أن تؤدي دوراً مركزياً في هذه القضية، أما فيما يخص تصويت الدول الأوروبية ضد القرار فلا استطيع أن أقدم تفسيراً حوله بمعنى آخر لا أجد تفسيراً لمواقفها.
انضم الاتحاد الأوروبي إلى مواقف الولايات المتحدة فيما يخص الملف النووي الإيراني السلمي مهدداً إيران بعقوبات اقتصادية في الوقت الذي لا يحرك ساكناً تجاه ترسانة إسرائيل النووية، أليس هذا صمتاً تآمرياً أو تواطؤاً؟
إن الاتحاد الأوروبي حاضر في المفاوضات مع إيران ضمن استراتيجية «الباب المفتوح» أي أنه يجب أن يبقى الباب مفتوحاً مع إيران لمتابعة المفاوضات في أي وقت وأي زمن، ويجب أن أذكر هنا أن الاتحاد الأوروبي قد صوت على عقوبات ضد إيران في مجلس الأمن ومن جهة أخرى وفي سياق أكثر اتساعاً يمكننا أن ندعم معاهدة عدم انتشار التسلح النووي التي ستتم مراجعتها عام 2010 وعلى هذه المراجعة أن تأخذ بعين الاعتبار وضع قوى نووية أخرى.
ثمة تطور ملحوظ في العلاقات الفرنسية السورية فهل ستحذو الدول الأوروبية الأخرى حذو فرنسا في انفتاحها على سورية؟
لا استطيع أن أحل مكان الدول الأوروبية للإجابة، لكن ما أستطيع قوله:
إن سورية كانت وستبقى بلداً مفتاحاً وأساسياً في الشرق الأوسط وبالتالي هي شريك استراتيجي فعال للاتحاد الأوروبي في المنطقة، وكما أشار تقرير البرلمان الأوروبي الذي تم تبنيه عام 2006 وكنت شخصياً قد قدمته أمام البرلمان - أشار بشكل صريح إلى أن البرلمان الأوروبي يجب أن يرى أن الوجود المتين لسورية في الشراكة الأورومتوسطية سوف يدعم علاقاتها مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وشركائها في جنوب المتوسط وسوف يسهل عملية السلام في الشرق الأوسط.
**
محطات
- مواليد بروكسل عام 1945.
- تحمل شهادة دكتوراه في علم النفس (العمل) 1976.
- استاذة جامعية في عدة جامعات أوروبية.
- عميدة كلية علم النفس في جامعة لييج 1990 - 1998 ولا تزال أستاذة فيها.
- أبحاثها المنشورة تركزت على الأمن والحياة الإنسانية في البيئات التي تقع تحت خطر التلوث.
- ترأس الجمعية الأوروبية للعمل والمنظمات في مجال علم النفس التي تضم أعضاء من أربعين دولة أوروبية.
- أشرفت على رسائل دكتوراه في عدة جامعات عالمية.
- تسعى لخلق جسور بين المجموعات العلمية وتوحيد النظريات في علم الاجتماع والثقافة العالمية.
- نالت جوائز علمية عديدة وهي عضو في تحرير أكثر من مجلة علمية دولية.
- عضو في البرلمان الأوروبي منذ 12 أيلول 2001، عضو في لجنة العلاقات الخارجية.
- عام 2004 أعيد انتخابها في البرلمان وعادت إلى لجنة العلاقات الخارجية.
- تتابع قضايا الشرق الأوسط ولها مواقف واضحة من الاحتلال