وتعمد هذه الدول إلى البحث عن مخرج لذلك، فتراها تبدأ بالمفاوضات هنا وهناك تمهيدا لعقد مؤتمر مهم في كوبنهاغن يوصلها إلى صياغة بروتوكول مناخي عالمي جديد يدعو الى التزام خفض حرارة الأرض ثلاث درجات على الأقل، بيد أنني أخشى أن يصطبغ المؤتمر إياه بالغوغائية مثل غيره، علماً أن المعنيين تحدوهم رغبة جادة في الالتزام بخفض الكربون والانبعاثات الغازية السامة، ترى هل يترجمون رغبتهم هذه إلى واقع ملموس في المؤتمر المنتظر؟!
لست متفائلا إلى حد كبير، فإنني أرى الدول الغربية تجر قدميها إليه جراً حتى إن أميركا قد تمتنع عن المشاركة فيه خشية ألا تتطابق مقرراته مع مصالحها الضيقة! والمحزن في الأمر أنها ترفض التبرع للدول الفقيرة لتتمكن من مواجهة نتائج هذا التغير المناخي الكارثية.
لقد تناست أميركا أنها المتهم الأول والمباشر عن تغير المناخ وتدمير البيئة تليها الصين والهند، بسبب صناعاتهم المتعددة وما ينتجونه من غازات سامة، والأنكى من ذلك أن الدول الأوروبية تسرع هي الأخرى لتشير بإصبع الإتهام الى صناعات الدول النامية المسببة للانبعاثات السامة، علماً أنها أعلنت مؤخرا عن تقديم تبرعات تقدر بـ 15 مليار دولار سنويا طيلة العام القادم لتمكينها من مواجهة ظاهرة التغير المناخي.
المفوضية الأوروبية أدرجت نحو 164 قطاعا صناعيا مسؤولاً بشكل كبير عن التسبب بالغازات السامة ومنها على وجه الخصوص صناعة التعدين 30٪ وصناعة الإسمنت 26٪ إضافة إلى الصناعات الدوائية والأسلحة.
فإذا ما امتنعت الدول الغربية عن إلزامها مؤسساتها الصناعية بالحد من انبعاث الغازات السامة، فإنها تكون قد حكمت على سياستها الإقتصادية بالفشل التام في مجال حماية البيئة، وكأن بها تنحو إلى الهروب إلى الأمام دوما.
في الآونة الأخيرة لجأت فرنسا وألمانيا، تلتهما السويد إلى فرض ضريبة على الكربون والانبعاثات السامة.
ولعل تراخي دول الشمال عن مسؤولياتها التاريخية حيال مسألة المناخ، سيدفع حتما بدول الجنوب إلى التراخي أكثر عن الالتزامات المترتبة عليها أيضا وقد تكون في ذلك محقة بعض الشيء ولاسيما أن صناعاتها الضئيلة لاتقارن بصناعات الدول الغنية، وهي إلى ذلك كانت طالبت بتمويل كبير من الدول الغنية لمواجهة هذه الظاهرة وكارثيتها وانتقاما من السياسات الاقتصادية الغربية الجائرة في أراضيها.
والمؤسف أن المفاوضات الأخيرة بهذا الخصوص لم تسفر عن صياغة قانون ملزم بل تم التفاهم حول اتفاق «سياسي» مفسحين في ذلك المجال الفضفاض لأميركا حتى تدلو بدلوها في مؤتمر كهذا.
هذه اللامبالاة من جانب أميركا تتلاقى مع التراخي الأوروبي ليزيدا الطين بلة موحيا بفشل المؤتمر المنتظر.
والجدير ذكره أن الرئيس الفرنسي ساركوزي ونظيره البرازيلي لولادي سيلفا كانا قد أعلنا في بيان مشترك مسؤولية الدول الغربية في مكافحة ظاهرة التغير المناخي والحد من الكربون والانبعاثات السامة من الآن وحتى مطلع 2050 بمقدار 50٪ مقارنة بعام 1999.
لاشك أن تقاعس جميع الأطراف المعنية عن الالتزام بمسؤولياتها سيلحق ضررا بالغا بالشعوب كافة، و خصوصا أولئك الذين يعيشون أصلا في ظل أوضاع اقتصادية متردية كما هو الحال في البلدان النامية.
والسؤال القائم: هل سيصحو الضمير الإنساني في القمة المقبلة أم إنه سيبقى في سباته؟