والمسألة لم تكن تدور حول سؤال (إذا) بل كان يدور حول (متى) ستندلع الحرب المقبلة؟ ويستنكر الكاتب والصحفي الاسرائيلي هذا التعامي من جانب المؤسسة العسكرية ووسائل الاعلام التي ترفض طرح سؤال ضروري هو: لماذا؟
عقب فترة استراحة تستغرق أسابيع لابدمن إشاعة الخوف، وعقب فترة استراحة تستغرق بضعة أشهر لابد من اطلاق التهديدات، وكل عامين إلى ثلاثة أعوام لابد من خوض حرب صغيرة، وبالتعاون الوثيق القائم بين الجيش والاعلام تطلق الوعود بسلسلة جديدة من المعارك، وعلى هذا النحو يمكن التملص جزئيا من لوم تقرير غولد ستون، والاستكانة إلى الدور الذي قبلناه على انفسنا، وهو أن نقوم بدور الضحية، وشعورنا أننا مهددون ونتوحد أمام الخطر الخارجي الاعظم الذي يلوح في الافق.
وهنا سيحتل الجيش الاسرائيلي موقع الذروة، وسوف يتطهر من الشكوك فيه ومن خيباته، ويمكن أن يبرر المطالبة بالمزيد من الميزانية والتجديد على اهميته، وتحقيق المجد والنفوذ سواء أكان لجنرالاته أم للمعلقين العسكريين، وهذا ما من شأنه أن يفرز المزيد من المستمعين والمزيد من مبيعات الصحف ذات التأثير القوي، والحصول على منظومات أسلحة متطورة.
ماذا يمكننا أن نأمل أكثر من ذلك؟!
تلك هي آخر صرخة تحذير: وكالة ناسا في فلسطين المعادلة لنظام رافائيل الدفاعي المتطور موجود في غزة، قد أطلقت حماس صاروخاً إيرانياً و ينبغي أن يكون ايرانياً يصل مداه إلى 60 كم وأدلى مدير الاستخبارات العسكرية بدلوه في هذه القضية، وكذلك تكلم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مباشرة عن انظمة صواريخ.
وفي الحال التقفها الاعلام، وصار ينفخ في أبواق الحرب المفضلة لديه.
(ثلاثة ملايين مواطن في مرمى الصواريخ). (مواجهة في كانون الأول) (هل أنتم ضمن المرمى؟). (محيط تل ابيب في خطر). (أسلحة القيامة). انذارات مرعبة ترافقها خرائط ليست أقل رعبا. ويزمجر المعلق العسكري في التلفزيون قائلا (على الجيش الاسرائيلي، الآن، ومواجهة أبعاد أخرى وهي ليست أبعاداً غير ذات أهمية بل إنها خطيرة وعلينا أن نعي أنه سيكون هناك ضحايا عديدون على الجبهة الداخلية).
مرة أخرى، دخلنا في صراع من قطاع أرضي صغير يعيش ضمن حصار مطبق وسط الاحزان والركام، وترسانة أسلحة حماس فيه هو عبارة عن مخيمات تدريب على أسلحة تقليدية، اثبتت فعاليتها المحدودة خلال الحرب الاخيرة. ولكننا صورنا هؤلاء المقاتلين على أنهم يتمتعون بقدرات خارقة، هكذا هم يبتدعون السيناريوهات للحرب المقبلة. وبهذا فهم لا يعززون من قدرات العدو فحسب، وإنما ايضا وفي المقدمة يعززون من قدرات الجيش، الذي عليه مواجهة هذا العدو.
وأعلن المعلقون العسكريون المتعطشون للحرب، أن الحرب وشيك وقوعها وربما خلال الشهر المقبل، وعظاتهم الثائرة هي نبوءات تتحقق من تلقاء ذاتها، وبنفس الاسلوب، فإننا وفي سياق هذا الخوف المحموم يمكن أن نرتقب سلسلة (حوادث) (تسخن الجبهة) مثل قصف انفاق أو محل لصنع الاسلحة وسيكون بعض الفلاحين المجردين من الاسلحة الذين تجرؤوا واقتربوا من الجدار الأمني، يدفعون عرباتهم أمامهم هدفا حيا للجنود الاسرائيليين بحجة أنهم ارهابيون يحملون أحزمة ناسفة.
ومن جهتهم، سيطلق الفلسطينيون صواريخ القسام كرد، وينتشر الخوف في النقب والتي بدورها ستضغط على الحكومة لكي تعمل أي شيء.
وهذا الوضع هوالانذار بحرب مقبلة (الضباط الرفيعي المستوى، لا يسألون إن كان ثمة مواجهة عسكرية مع حماس)، وبالتأكيد فإن السؤال الجدير طرحه، وهو لماذا؟
لم يطرحه أحد، وإنما يطرحون فقط (إذا) أو (متى).
وضع مستمر، مثير للضحك، إننا لا نعتبر من أي درس حتى إن آلافاً مؤلفة من لجان التحقيق لم تعفينا من لومنا على خطواتنا المجنونة. غزة مغلق عليها ضمن سجن ، وتبقى هادئة. ولكنها لن تبقى هادئة إن لم يرفع الحصار عنها وإن لم يتح لشعبها التمتع بشروط حياة مقبولة.
أولئك الذين يرنون إلى حرب جديدة لاطائل منها في كانون الأول المقبل مدعوون للانضمام الى إحياء حفل الجنون الذي يسكننا الذي يقود جوقته بارونات الحرب من جنرالات ومعلقين تلفزيونيين.
وأولئك الذين يبغون وقف هذه الدوامة المقيتة، مرحب بهم ولإيجاد البديل لابد من رفع الحصار عن غزة مباشرة ، وإعادة اعمارها ، وتحرير الجندي جلعاد شاليط، ودفع الثمن المطلوب، مقابل ذلك، وبذل جهود تدفع حماس للمشاركة في عملية السلام، واطلاق مبادرة للتوصل إلى اتفاق طويل الامد معها، وهذا ممكن إلا أنهم لم يختبروه ابدا ويبقى ثمة عقدة هنا ماذا يفعل الجنرالات والمعلقون إذا عم الهدوء والسلام جنوب البلاد- لاسمح الله.