طعمُ السكر الظاهر الذي يطغى على طعم ” فتّة ” الخبز والشاي …
عنقود عنب خمري ناءتِ الدالية بحمله واستدارت شفاهه ..
كان أيضاً .. حذائي الصغير المثقوب ذو اللون الأسود ..
وأمنية ببشائر حول حذاء جديد ..
حقيبة برتقالية اللون أتعبها بما تحمل وأحمل من أسفار ..
قد أحظى بقبلة في الصباح ..
إن لاحظت أمي وجهي يتقافز بين وجوه إخوتي الكثيرة المتراكمة ..
كان طريقاً طويلاً بين البيت والمدرسة ..
كان شقاوة قد لا يحتملها أخي ..
كان حجرين صغيرين أحملهما وألقيهما على حقيبته
كل صباح ..
كان أيلول .. وكنا …
عاد أيلول ..
ونسي أن يجلب البخار والعنب ..
* * * * *
ذات يوم …
تجرأ خريفٌ على الأرض العذراء .. عصرها بسطوته وجبروته ..
لطالما كان يأتي خجولاً ..
لكنه آثر أن ينفض أوراقه الصفراء على جسد الأرض بساديّة وتمكّن ..
فيتفرد بالمكان .. بالزمان .. ليعربد بأي شيء أراد أن يبقى ..
بأي تمايز لوني بعيد عن الأصفر الشاحب .
زمجر بزمهريرة صغيرة لا شأن للشتاء بها ..
كمعزوفة افتتاحية تمهّد لسيمفونية كبرى ..
نسمات باردة تلاعبت بهدوء الأوراق ..أغصان شجر عارية .. شبه عارية ..
وجه دميم أجعد لبركة تركت صِباها .. ثم التفت ..
تلك زهرة حمراء باقية !! .. حفّها بغضب الريح والزمهرير .. جرّحها بكومة أوراق صفراء
فاختبأت بين أوراقها .. وتشبثت بالأرض بقوة وضعف ..
اقترب منها .. مد يده في رحم جذورها ليجتثها ويذروها .. فلم يستطع ..
- لمَ أنتِ هنا أيتها الخارجة عن قانون الوجود ؟.. وكيف تكونين .؟ ..
- لقد تأخرتَ أيها المتقلّب المتعِب ..احترقت أوراقي .. جفت عروقي ..
استطعتُ أن اخلق منكَ جبروتاً ليس لكَ .. بضعفي .. بأنوثة البتلات ..
فمن يدّعي رجولةً في غيابِ أنوثة ؟ ..
ربما .. ربما أحببتكَ يا صنعةَ يدي .. وآثرتُ البقاء لتعرفَ أنك _ وإن جئتَ _ ذاهب .
كأن شيئاً في صميم الخريف قد انكسر .. سكنت الريح .. استقرت الأوراق الصفراء ..
تابعتِ الزهرة : إن حدثَ وعدتَ لاحقاً .. فلا تنعي العصافير المهاجرة ..ولا تصبغ الأوراق حمراء وصفراء ..ولا تحرّك ساكنا .. كن كئيباً أيها الخريف .. كئيباً بهدوء .. بسكينة ..
كي تشبه من أوجدك . كي تشبهني .
تلك آخر كلمات الزهرة بين يدي الخريف ..
ومن حينها ..صارت السماء تبكي كل أيلول .. بدموع خريفية .. بكآبة خريفية ..