تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أيلـــول القديــم .. والخــريف

رسم بالكلمات «إبداعات جيل جديد»
الأثنين 7-12-2009م
هاني غياث الشيخ

بخار متصاعد من ثنايا قطعة قماش مبللة بنية اللون ومكواة بسيطة ..

طعمُ السكر الظاهر الذي يطغى على طعم ” فتّة ” الخبز والشاي …‏

عنقود عنب خمري ناءتِ الدالية بحمله واستدارت شفاهه ..‏

كان أيضاً .. حذائي الصغير المثقوب ذو اللون الأسود ..‏

وأمنية ببشائر حول حذاء جديد ..‏

حقيبة برتقالية اللون أتعبها بما تحمل وأحمل من أسفار ..‏

قد أحظى بقبلة في الصباح ..‏

إن لاحظت أمي وجهي يتقافز بين وجوه إخوتي الكثيرة المتراكمة ..‏

كان طريقاً طويلاً بين البيت والمدرسة ..‏

كان شقاوة قد لا يحتملها أخي ..‏

كان حجرين صغيرين أحملهما وألقيهما على حقيبته‏

كل صباح ..‏

كان أيلول .. وكنا …‏

عاد أيلول ..‏

ونسي أن يجلب البخار والعنب ..‏

* * * * *‏

ذات يوم …‏

تجرأ خريفٌ على الأرض العذراء .. عصرها بسطوته وجبروته ..‏

لطالما كان يأتي خجولاً ..‏

لكنه آثر أن ينفض أوراقه الصفراء على جسد الأرض بساديّة وتمكّن ..‏

فيتفرد بالمكان .. بالزمان .. ليعربد بأي شيء أراد أن يبقى ..‏

بأي تمايز لوني بعيد عن الأصفر الشاحب .‏

زمجر بزمهريرة صغيرة لا شأن للشتاء بها ..‏

كمعزوفة افتتاحية تمهّد لسيمفونية كبرى ..‏

نسمات باردة تلاعبت بهدوء الأوراق ..أغصان شجر عارية .. شبه عارية ..‏

وجه دميم أجعد لبركة تركت صِباها .. ثم التفت ..‏

تلك زهرة حمراء باقية !! .. حفّها بغضب الريح والزمهرير .. جرّحها بكومة أوراق صفراء‏

فاختبأت بين أوراقها .. وتشبثت بالأرض بقوة وضعف ..‏

اقترب منها .. مد يده في رحم جذورها ليجتثها ويذروها .. فلم يستطع ..‏

- لمَ أنتِ هنا أيتها الخارجة عن قانون الوجود ؟.. وكيف تكونين .؟ ..‏

- لقد تأخرتَ أيها المتقلّب المتعِب ..احترقت أوراقي .. جفت عروقي ..‏

استطعتُ أن اخلق منكَ جبروتاً ليس لكَ .. بضعفي .. بأنوثة البتلات ..‏

فمن يدّعي رجولةً في غيابِ أنوثة ؟ ..‏

ربما .. ربما أحببتكَ يا صنعةَ يدي .. وآثرتُ البقاء لتعرفَ أنك _ وإن جئتَ _ ذاهب .‏

كأن شيئاً في صميم الخريف قد انكسر .. سكنت الريح .. استقرت الأوراق الصفراء ..‏

تابعتِ الزهرة : إن حدثَ وعدتَ لاحقاً .. فلا تنعي العصافير المهاجرة ..ولا تصبغ الأوراق حمراء وصفراء ..ولا تحرّك ساكنا .. كن كئيباً أيها الخريف .. كئيباً بهدوء .. بسكينة ..‏

كي تشبه من أوجدك . كي تشبهني .‏

تلك آخر كلمات الزهرة بين يدي الخريف ..‏

ومن حينها ..صارت السماء تبكي كل أيلول .. بدموع خريفية .. بكآبة خريفية ..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية