تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خــــــــدوج تأكــــــــــل الأطفــــــــال

البحرين
رسم بالكلمات «إبداعات جيل جديد»
الأثنين 7-12-2009م
أحمد المؤذن

قبل أن تعتب قدمي عتبة الباب الكبير، يدركني صوتها, وتظهر في الحوش من قلب غمامة الغبار المتصاعد من حركة مكنستها السعفية، تهتف محذرة كالعادة ..

- إياك أن تلعب عند خرابة خدوج ..!‏

طمأنتها وفي سري شيء آخر ! أهدتني نظراتها الحنونة المتدفقة من عينين مبتسمتين وقالت :‏

- حبيبي حمود تعال .. هاك خذ‏

تركت في كفي مائة فلس وعلى خدي قبلة . لكثرة ما حذرتني من بيت خدوج، أصبحت مهتماً باكتشافه ومعرفة سره، فتوجهت إلى هناك عامداً، أصلاً كل أطفال الحي يعرفون المكان . تجاهلت تحذيرات أمي المتكررة وانطلقت مهرولاً كبلبل رشيق الجناحين, يطير في هذه الأزقة الترابية بفرح، أريد أن أراها .. هل هي مجنونة كما يقولون ؟‏

هناك وجدت ثلة من الصبية تلعب قرب البيت الخرب، كرتهم البرتقالية اللون قفزت في الهواء عالياً من ركلة سريعة، عبود صديقي ( صاحب الظل الطويل ) هو السبب. توقفوا عن اللعب ، أجمعوا أمرهم ..‏

- ( يا عبود اجلب الكرة )‏

لا أحد منهم يريد المغامرة والدخول، ( عبود ) رجاني كثيراً, ووعدني بخمس من كراته الزجاجية الملونة حينما ألحوا عليه، فلا أحد يريد أن يفعلها، هذه الخرابة حولتها الأمهات إلى بيت أشباح ترتعب من ذكره الأطفال، أما أنا فقد قررت، والآن هذه هي فرصتي، سأراها الآن!‏

خطوة .. خطوة ، خطوتان ، ثم توقفت, وهم خلفي صامتون, والخوف يتدفق إلى قلبي، تحضرني تحذيراتها الحنونة : ( خدوج مجنونة .. تأكل الأطفال ) !!‏

- أكيد أمي تبالغ في كلامها، سوف أتأكد، يجب أن أفعل .‏

لحظة خاطفة, وآخذ الكرة من وراء هذا السور الطيني، الأمر عادي جداً! هؤلاء الصبية جبناء؛ أما أنا فسأكتشف اليوم سر خدوج. باب خرابتها حيث تسكن، نصف مكسور، خرجت من ورائه فجأة قطة سوداء، صاح أحد الصبية :‏

- حمود .. حمود ، لا تدخل .. البيت مسكون بالجن ، سنشتري كرة جديدة .‏

لكني دخلت المكان، ( أبحلق ) خائفاً وأخطو بحذر وإصرار، لكنني على حين غرة، وطأت لوحاً خشبياً به مسمار ناتئ اخترق الفردة اليمين ونهش قدمي بشراسة.‏

صرخت متألماً، نزعتُ قدمي من المكان، تلوثت النعال البلاستيكية ببقع دمي, وعادت إليَّ أصواتهم تعاود تحذيري، لم آبه لهم, وواصلت التقدم وأنا أعرج.‏

أمامي سلم حجري وغرفتان، الغرفة الثانية على اليسار تقبع عند بابها الكرة، حملتها وأنا أسمع همهمة غامضة جعلت شعر رأسي يقف, وفكرت في الهرب من شدة الخوف.‏

لكن ثبتُ في مكاني، بحلقت في الغرفة المظلمة, وثمة كوة في السقف، يتسرب منها ضوء النهار مختلطاً بالهمهمات المخيفة والرائحة العفنة للمكان، اقتربت أكثر من كوة الضوء ثم ظهرت فجأة ... خدوج المجنونة، نعم هكذا وصفوها، قامة طويلة, عينان عسليتان، وبشرة بيضاء كالسكر، وشعر .. شعرها طويل ومخيف .‏

كانت مستلقية وثيابها المهلهلة غارقة بالدماء والسوائل، وبين ذراعيها طفل يضج بصراخه، كنت أمامها ولم تكن تراني!‏

وجهها في مساحة الضوء بدا مصفراً وغارقاً في عرقه ، انفجر رعبي، وهرولت مسرعاً وأنا أصرخ .. ( خدوج تأكل الأطفال ) !!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية