هذه الفكرة جعلت سان سيمون يتنبأ بأن أدب القرن التاسع عشر سيطمح لتغيير المجتمع. وقد حصل فعلاً ما تنبأ به؛ فقد أحدث القرن التاسع عشر قطيعة مع القرن الذي سبقه، وأعلى من شأن الإنسان في مقابل القوى التي تحبطه وتؤجل عمله. وركزت الأعمال العظيمة على أن الإنسان مفكر خلاق وهو المخلوق الأعظم في الطبيعة. والأهم من ذلك كما يقول كورلينكو: «الإنسان مخلوق للسعادة كما الطير للطيران».
إلا أن هذا التغيير، لم يحدث إلا نسبياً على المستوى الإنساني المجتمعي، وحلق عالياً على المستوى الفني، ونبغت أعمال عظيمة لتولستوي ودوستويفسكي، وناهضت التناقضات الرهيبة القائمة بين الطبقات الاجتماعية ورفعت صوت احتجاجها ضد ظلم واضطهاد الإنسان للإنسان.
إن هذه الواقعية الفنية هي ثورة جديدة في الفن، رغم أن جذورها موجودة في بعض أعمال العصور السابقة وإن لم تتبلور تماماً. وهذه الثورة الفنية، قامت ضد البرجوازية الناهضة على أنقاض الإقطاع، وعملت على محاربة استغلالها للإنسان. ولذلك اعتبرت الإنسانية أساس المثل الأعلى الجمالي لفن الواقعية.
مع بداية القرن العشرين، بدأت الواقعية تتراجع أمام همجية رأس المال، واشتعال العالم بالحروب، ليس لأنها لاتفي بالغرض، بل لأن الواقع – ربما – أصبح سوريالياً ومتناثراً بشكل غير مسبوق.
ولم تلغ الاتجاهات الجديدة الوجه الجميل للواقعية، وإنما استقت منها ما يحفظ إنسانية الإنسان. وأثبتت الواقعية تفوقها على الاتجاهات الأخرى، وبقي الفن الواقعي – إلى اليوم – يمثل قمة الأدب العالمي، هذا لأنها جعلت من الأدب أداة فعالة في حركة التطور الفكري والأخلاقي والجمالي للبشرية، وانتصرت للإنسان أينما كان.
Okbazeidan@yahoo.com