تلك الاسئلة زادت وتيرتها خلال الايام القليلة الماضية وتحديدا ما بعد الهجوم الارهابي الذي ضرب فلوريدا والذي دفع بكثير من المحللين والمتابعين الى اعتبار ما جرى بمثابة إعلان انفصال بين الأميركي والارهاب بعد أن افترقت المصالح رغم التقاء الأهداف لتبقى التساؤلات واشارات الاستفهام تحوم فوق هذا الانفصال مشككة بجديته وحقيقته، فهل هو مجرد تكتيك وخدعة جديدة للولايات المتحدة تسعى من ورائها الى تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة تكون داعما لها على المدى القريب لتغيير المعادلات والموازين على الأرض.
الرئيس أوباما وبهدف التهرب من اتخاذ أي مواقف وإجراءات حقيقية يتخذها ما بعد الهجوم، سارع بغموضه وتلونه المعهود إلى التقليل من أهمية الحادث عبر النفي المسبق حتى قبل البدء بالتحقيقات وجود أي أبعاد وخلفيات إرهابية للحادث تتجاوز محيطه المكاني والجغرافي والسياسي، أوباما وبغية إضاعة البوصلة وتشتيت انتباه الشارع الأميركي عن الأبعاد الحقيقية للهجوم والذي كشف عن وجهه الحقيقي بعد إعلان تنظيم داعش تبنيه له أصر على تسطيح وتبسيط وتسخيف الأمر عندما ربط الهجوم بالقوانين والإجراءات الأميركية التي تسهل حصول أي شخص على سلاح في تجاهل متعمد بأن الموضوع تجاوز هذه السخافة لأنه بات يتعلق بالإستراتيجية الأميركية المعلنة التي تدعي فيها واشنطن محاربة الإرهاب الذي بدأ ينمو ويزداد بشكل مضطرد تحت أنظار ورعاية الغرب الذي ما يزال يدعمه ويحتضنه ويدافع عنه.
هيلاري كلينتون التي تسعى لان تطأ اقدامها البيت الأبيض كرئيس جديد للولايات المتحدة خطفت بخبثها المعهود ما بين السطور، وما حاول أوباما التهرب منه و الالتفاف عليه وإخفاءه جاهرت به الى حدود الصراحة الجارحة لأقرب حلفائها وأدواتها،عندما سارعت الى توظيف الحادث سياسيا من اجل زيادة نسبة مؤيديها بقولها إنه بات من الضروري ان تمنع السعودية وقطر والكويت والكثير من دول المنطقة مواطنيها من تمويل المنظمات الإرهابية وفي هذا استسهال واضح لخطة كلينتون وتمهيد بأن مرحلة الاستثمار والابتزاز سيكون اشد ضراوة وشراسة خلال الولاية الرئاسية المقبلة.
الحادث وبحسب الكثير من المحللين والمتابعين دفع بقرارات وخيارات الضرورة التي لاتزال تركنها الولايات المتحدة على الرف لاستخدامها وقت الحاجة، دفع بها إلى أولويات الأجندة الأميركية بغية امتصاص غضب الشارع والتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة للإستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب التي لم تؤدي كما أسلفنا إلا إلى نماء وتضخم وتمدد الإرهاب وفي مختلف الاتجاهات.
لكن وبعيدا عن كل شيء فإن ضرب الارهاب في عمق الولايات المتحدة قد وضعها على المحك لجهة حملها وبشكل مباشر الى مواجهة مسؤولياتها تحت قوة الأمر الواقع بعيدا عن التوظيف السياسي للمرشحين الأميركيين الذي قد يؤدي إلى مفاقمة أزمة الأخيرة بدلا من حلها لجهة تراكم العجز والفشل على كافة الأصعدة والجبهات.
بالعودة إلى الأهداف التي من المتوقع تحقيقها من الهجوم الارهابي في حال كان الهجوم مدبرا من قبل المخابرات الأميركية عبر داعش على قاعدة الروابط والعلاقات الوثيقة بين الطرفين،فإنها تتمثل بإيجاد الدافع القوي للتدخل المباشر في سورية والمنطقة (وبالتأكيد ليس هذا من باب المصادفة أن يكون هذا ما دعت إليه هيلاري كلينتون في وقت سابق )وبالتالي خلق المبرر القوي لإقناع الرأي العام الرافض لأي تدخل أميركي مباشر خارج الحدود، وهذا السيناريو يشبه إلى حد كبير سيناريو هجمات 11 أيلول التي أجازت من خلالها أميركا لنفسها بالتدخل خارج حدودها وغزو المنطقة وبموافقة معظم دول العالم تحت عنوان الدفاع عن النفس.
لكن وبغض النظر إن كان الهجوم مدبرا أم لا فإنه بمطلق الأحوال سيؤدي لتعرية الولايات المتحدة أكثر فأكثر وسيدفع بها إلى عمق الزجاجة بدلا من خارجها لأنه سيضعها في دائرة الشكوك حول علاقتها بتلك التنظيمات الإرهابية، لان من شأن هذا الهجوم أن يحملها الى اتخاذ قرار حاسم وواضح بمحاربة الإرهاب بالتعاون مع الدولة السورية وحلفائها على الأرض بعيدا عن المراوغة واللف والدوران ومحاولات التدخل المباشر التي تسعى من خلالها إلى فرض مشاريع التقسيم كأمر واقع داخل سورية ، وهذا القرار المستبعد من الأخيرة( أي قرار التعاون مع الدولة السورية في مكافحة الإرهاب) إن حصل فإنه سيمهد بالتأكيد لحالة طلاق مبرم بين أميركا والإرهاب الذي ستكون ردات فعله كارثية على الغرب برمته.
تبدو رسالة الإرهاب واضحة في هذا السياق بغض النظر عن ارتباطاته وعلاقاته وهي بأنه لن يتراجع عن قراره بضرب كل المواقع والأماكن التي يمكنه الوصول إليها بما فيها مسقط رأسه ومكانه الذي ترعرع فيه، ولن يستطيع احد وقف تقدمه وكبح جماحه مهما يكن حتى لو كان أبوه الشرعي ومرشده الروحي.