تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


واشـــــنطن «المبشّــــــــرة» بعـــــــودة داعــــــش!!

قاعدة الحدث
الجمعة9-8-2019
عبد الحليم سعود

في معطيات تكررت في أقل من شهرين عادت واشنطن للتبشير بعودة ثانية وقوية لتنظيم داعش الإرهابي، حيث أكد مفتش عام في وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) في تقرير له إنّ التنظيم سيُعاود الظهور في سورية مع سحب الولايات المتحدة قوّاتها، موضحاً أنه «عزّز قدراته» في العراق أيضاً.

ولعل الغريب في المعطيات الأميركية الجديدة أنها جاءت بعد إعلان واشنطن دحر التنظيم والانتصار عليه بعد المعركة المزعومة في بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور في آذار الماضي، وذلك بعد نحو خمس سنوات من مزاعم واشنطن الحرب على التنظيم من ضمن تحالف دولي بقيادتها، ما يطرح المزيد من الأسئلة حول صحة ودقة المعلومات الأميركية من جهة وسبب نشرها في هذا التوقيت بالذات من جهة أخرى ولاسيما بعد تردد واشنطن في سحب قواتها من الجزيرة السورية تنفيذاً لقرار أصدره ترامب في تشرين الثاني الماضي.‏

من المعلوم أن التنظيم الإرهابي قد تلقّى ضربات قاسية على يد الجيش العربي السوري وحلفائه وكذلك قوات الحشد الشعبي العراقية في السنوات الماضية، ضربات أدّت إلى انهياره وتقهقره وخسارته معظم المساحات التي سيطر عليها تحت أعين وتواطؤ التحالف الأميركي، الأمر الذي يؤكد رغبة واشنطن بتجميع فلول التنظيم التي اختفت بمعرفتها مجددا واستعماله من جديد في تبرير وجود قواتها المستمر على الأراضي السورية والعراقية، واستخدامه في إشغال سورية عن تحرير ما تبقى من أراضي تحتلها تنظيمات إرهابية أخرى مثل جبهة النصرة الموجودة في محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، وكذلك مرتزقة قسد الكردية التي تسيطر على معظم الجزيرة السورية وتعمل ضمن نهج انفصالي عن الدولة السورية في إطار الأجندة الأميركية المرسومة للمنطقة.‏

ولعل أكبر الأسئلة التي تطرحها المعطيات الأميركية الجديدة هنا هو ما دور واشنطن في هذه العودة المحتملة والقوية للتنظيم وهي التي أنشأت تحالفاً دولياً مزعوماً وتدخلت في سورية والعراق تحت عنوان الحرب على داعش، وما هي مصلحتها الحقيقية من ذلك..؟!‏

في البداية ينبغي التوقف قليلاً عند التقارير الأميركية التي حذّرت من أن التنظيم الإرهابي لم يهزم ـ وهذا مخالف للرواية الأميركية التي زعمت هزيمة التنظيم العام الماضي ـ وأن التنظيم يستعد للعودة مجدداً وعلى نحو أكثر وأشد خطورة رغم خسارته معظم الأراضي التي أعلن قيام (دولته) أو(خلافته) عليها في كل من سورية والعراق، فقد جاء في تقرير أميركي سابق أعده معهد (دراسات الحرب) الأميركي تحت عنوان: (عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل) إن التنظيم اليوم أقوى من سلفه (تنظيم القاعدة) في العراق في عام 2011 حين بدأ يضعف.‏

وأشار التقرير إلى أن تنظيم (القاعدة) في العراق كان لديه ما بين سبعمئة وألف مسلح آنذاك، بينما كان (داعش) لديه ما يصل إلى 30 ألف مسلح في العراق وسورية في آب 2018 وفقاً لتقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية، وهنا ينبغي التوقف عند دقة الأرقام الواردة، لأن من يملك هذه الأرقام الدقيقة حول التنظيم لا بدّ أنه يملك تفاصيل أوسع وأدق عن الجنسيات، التمويل والخطط والأهداف ونقاط التمركز والانتشار ـ وقد لا نبالغ إذا قلنا ـ يملك معلومات أوفى وأدق عن مكان وجود البغدادي الذي أفرج عنه من السجون الأميركية في العراق إبان الاحتلال، وقام بإنشاء تنظيمه الإرهابي تحت رعاية الاستخبارات الأميركية وبقية القصة معروفة من تسلل عناصره من العراق إلى سورية وقدوم مرتزقته من جميع أنحاء العالم عبر تركيا حليف واشنطن في الناتو إلى سورية والعراق للقتال، وصولاً إلى استخدام ذريعة محاربة الإرهاب من أجل التدخل العسكري في سورية وارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين الأبرياء في شمال شرق سورية، إضافة إلى تدمير مدن وبلدات وقرى بحجة مطاردة فلول التنظيم.‏

لا شك أن هناك مصلحة أميركية من عودة التنظيم ولا سيما في ظل الوجود العسكري الأميركي في شرقي سورية وغربي العراق، إذ كثيراً ما كشف الأميركيون عن رغبتهم بقطع التواصل الجغرافي بين سورية والعراق ومنع إيران ــ أو ما يسمى الوجود الإيراني ــ من مواصلة دعمها لسورية في حربها على الإرهاب، ويبدو هنا أن عودة داعش لإشغال الجيش العربي السوري وحلفائه واستنزاف قوتهم في هذه المنطقة أمر مطلوب لتمكين القوات الأميركية من البقاء طويلاً في الجزيرة السورية، بعيداً عن المواجهة مع الدولة السورية وحلفائها.‏

على جانب آخر ــ وهذا ليس سرّاً ــ تبدو استعادة داعش لقوته في شرق سورية أمراً حيوياً بالنسبة لواشنطن وإسرائيل في ظل سعي الجانبين العراقي والسوري لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية ومدّ أنابيب نفط وغاز من إيران عبر أراضيهما إلى البحر المتوسط ومنه على أوروبا والاستغناء نهائياً عن الخليج ومضيق هرمز اللذين يشهدان توترات مستمرة بين إيران وواشنطن على خلفية الملف النووي الإيراني وتبعات الحصار الاقتصادي الأميركي لإيران.‏

في ظل المعطيات الأميركية الجديدة التي تؤكد أن (داعش) انسحب عن عمد ونقل العديد من مقاتليه وعائلاتهم من مدن الموصل، والرقة السورية وغيرها من المدن المهمة إلى مناطق الدعم الجديدة والقديمة في العراق وسورية، وأن قواته منتشرة الآن في البلدين وتشنّ عمليات تمرّد، يتضح أن كل الحرب الأميركية على التنظيم كانت كذبة كبرى، إذ لا يمكن لتنظيم تلقّى كل هذه الخسائر والهزائم أن يعيد تنظيم نفسه لولا حصوله على دعم هائل وتسهيلات كبرى من قبل واشنطن الموجودة على الأرض وتسيطر جوّا عبر أقمارها الاصطناعية وطائرات التجسس على منطقة الانتشار المفترضة للتنظيم، الأمر الذي يعطي انطباعاً برغبة واشنطن بإعطاء فرصة جديدة للدواعش لتخريب الإنجازات التي حققها محور محاربة الإرهاب في السنوات الماضية، وتبرير الوجود الأميركي في المنطقة لأطول فترة ممكنة، ولا سيما أن الصراع مع إيران وبقية محور المقاومة يجيز لواشنطن وفق منطق الابتزاز والتوظيف السياسي الرخيص الذي تتقنه أن تعيد استخدام نفس الأوراق مرة تلو المرة لتحقيق أهدافها وأهداف حليفتها إسرائيل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية