ومناهجنا التعليمية فيما يخص الثقافة الجنسية, ويكون في مقدمة التوصيات إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم ومن مراحل مبكرة, وعلى الرغم من تزايد الأصوات المؤيدة لهذا الاتجاه, إلا أن معظم المحاولات باءت بالفشل.
وعادت إلى رصد الجهل, الذي تعززه مجموعة من الممنوعات يدعي المتمسكون بها أن الدين والمجتمع مرجعاها وأن التمسك بها حماية للأجيال الشابة, وتعزيز روح التدين بينهم, علماً أنه في الوقت الذي توصد فيه أبواب المعرفة الجنسية من الأهل والمدرسة في وجه الشباب, تفتح أفلام البورنو -الجنسية- ومواقع الانترنت الخليعة, ومقاطع الفيديو عبر الهواتف الجوالة , لتصبح المصدر الرئيسي للمعلومات حول الجنس والحياة الجنسية, ما يدفع للتساؤل حول مستقبل صحة الشباب الجنسية والانجابية? وإن كانت المحاولات قائمة لكسر قيود المجتمع لإدخال بعض التغيرات على الوضع الراهن.
مخاطر
تقول السيدة هالة عند سؤالي لها عما شرحته أو قدمته لابنتها من معلومات عن بلوغها وما سيطرأ على جسمها من تغيرات: لم أقل لها شيئاً, إن هذا الجيل يعرف أكثر منا?! فهل هذا صحيح?!
تأتي خطورة جهل الحياة الجنسية ليس على شكل علاقات حميمة تؤدي إلى انتقال الأمراض فقط, بل أمراض ووفيات للامهات الصغيرات في مجتمعنا, مع انتشار الزواج المبكر, ومعروف أن الشباب إذا لم يتلقوا الثقافة الجنسية داخل المدارس, من خلال مناهج علمية محددة, سوف يتجهون للبحث عن مصادر أخرى للمعلومات, والتي غالباً ما تكون صديقاً في نفس العمر, وهذا سينعكس سلباً بعد أن تتكون صور ذهنية مشوهة حول الصحة الجنسية لدى الشاب أو الفتاة.
وسواء اعترفنا أم أنكرنا فقد انتشرت في السنوات الأخيرة العلاقات الحميمة قبل الزواج, فالمجتمع يعيش حالة حراك استثنائية في الوقت الحالي, وقليل من الناس يدركون ذلك, فيجب أن نبدأ بتدريس الثقافة الجنسية في المدارس في مراحل عمرية محددة, بشكل يتلاءم مع خصوصية مجتمعنا المحافظ.
ففي دراسة للدكتورة ختام تميم المدرسة في المعهد العالي للدراسات السكانية, هدفت إلى التعرف على مدى معرفة الشباب السوري وآرائه في موضوعات تتعلق بالصحة الانجابية كتنظيم الأسرة والزواج المبكر وتوقيت الحمل والصحة الجنسية والأمومة الآمنة والاجهاض غير المأمون تبين أنه فيما يخص المعرفة بتنظيم الأسرة, على عينة من ست محافظات سورية من أصل 14 محافظة وزعت على الشكل التالي:
دمشق وحصتها 390 مبحوثاً, حلب وحصتها 373 مبحوثاً, حمص وحصتها 150 مبحوثاً, طرطوس وحصتها 69 مبحوثاً, دير الزور وحصتها 91 مبحوثاً, الحسكة وحصتها 127 مبحوثاً.
فقد تبين أن 71,8% يعرفون , و80,9% منهم يؤيدون فكرة تنظيم الأسرة مقابل 13,2% لا يؤيدونها و5,9% لايعرفون, وبالنسبة لأنواع تنظيم الأسرة فكانت معارفهم على الشكل التالي: 63,7% يعرفون المانع الطبيعي حبوب منع الحمل و9,9% يعرفون الواقي الذكري.
وبالنسبة لتأييد استخدام وسائل تنظيم الأسرة فكان 53% منهم مؤيدون و36% منهم معارضون و11% لا يعرفون لا تأييداً ولامعارضة.
وبالنسبة لموقف الشباب في العينة من الزواج المبكر للفتيات فلم يؤيدوه بنسبة غالبة حيث عارضه 71,4% ومؤيدوه نسبتهم 28,6%.
أما الذين أيدوا الزواج المبكر فقالوا للأسباب التالية: لأن زواج البنت يحميها من الخطأ, ولأنها خلقت من أجل الزواج, ولتتفرغ للأسرة لمساعدة الذكور.
أما معارضو زواج الفتاة المبكر فقالوا: لتستطيع تكميل تعليمها وبنسبة 41,8% من المؤيدين ولأن الزواج المبكر يعني الولادة المبكرة, ولأنها سوف تحمل مسؤولية وهي في سن صغيرة, ولأنه سيؤثر على صحتها.
أما بالنسبة للموقف من زواج الشاب المبكر أي قبل سن العشرين فكانت النسبة الغالبة ضده وبنسبة 84,7% من العينة, والمؤيدون بنسبة 15,3%, وعن سبب التأييد قالوا:ليستطيع تربية أولاده وهو في صحة جيدة قبل هرمه, وليحميه من الخطأ, وليحافظ على صحته.
والذين لم يؤيدوا للأسباب التالية:لعدم اكمال تعليمه, لعدم اكتمال نضجه, لأنه يتحمل مسؤولية عائلة وهو في سن صغير.
وبالنسبة للمعرفة بالفحص الطبي قبل الزواج والقيام به تبين أن 71% يعرفونه و46,3% منهم يقومون به, و17,3% منهم لايعرفونه و39,4% لا يقومون به, و11,8% من العينة لم تعرف عنه شيئاً.
أما بالنسبة لمعرفتهم بالأمراض التي تنتقل عدواها عن طريق الجهاز التناسلي فقد تبين أن 87,2% يعرفون ذلك, ونسبة 12,8% لايعرفون وغالبية الذين يعرفون ذلك يعرفون الايدز أكثر من غيره من الأمراض, وبالنسبة لمعرفة المبحوث بالأمراض التي يمكن أن تنتقل عدواها من شخص لآخر عن طريق الجهاز التناسلي فقد تبين أن 87,2% يعرفون منهم 82,4% معارفهم عن الايدز, وبقية الأمراض يعرفون عنها بنسبة بحدود النصف, أما الذين لا يعرفون أبداً فهم بنسبة 12,8% وكل تلك الأرقام تدل على ضرورة العمل على توعية الأهل والأولاد وخاصة عن طريق التعليم.
اهتمام
يقول أنس حبيب مدير المشاريع في جمعية تنظيم الأسرة التي لها نشاط كبير على التوعية بالصحة الانجابية أن عملنا في الأماكن العالية الخطورة كمراكز الأحداث والفتيات, وفي الاحياء الهامشية الفقيرة تثبت إن الفتيات والشبان, انحرفوا أو عملوا بالدعارة بسبب الجهل, ورفاق السوء, وكثير من الفتيات لو كن يعرفن عن مرض الايدز مثلاً وأنه سيقودهن إلى الموت لما اقتربن من أي رجل.
وأضاف أن الثقافة الجنسية لا تمنعها الأديان بل على العكس لأن لها علاقة بالنظافة والطهارة, وهي ليست معدومة عندنا لكن مدرسي العلوم يخجلون من طلابهم, وقد قامت الجمعية خلال الثلاث سنوات الماضية بتنفيذ تسع ورش عمل بالتعاون مع وزارة التربية لمدرسي العلوم والتربية الدينية والمرشدين النفسيين ضمن التعليم الأساسي والثانوية, لتأهيل وتدريب 270 مدرساً ومدرسة حول مهارات التواصل والاتصال بغية ايصال المعلومات للطلبة بطرق سهلة واضحة, وفي نفس الفترة السابقة نفذنا ورشات عمل لبناء قدرات 2000 شاب وشابة في مختلف المحافظات وزيادة معارفهم حول الصحة الانجابية والوقاية من مرض الايدز.
موضوع عالمي
أما فيما يخص الخوف من انتشار الثقافة الجنسية فتشير دراسة نقلاً عن تقرير للبنك الدولي, أن العديد من الابحاث أكدت أن تدريس الصحة الجنسية لم يشجع الشباب على ممارسة الجنس, بل بالعكس ففي كثير من المجتمعات الغربية كانت ثقافة الصحة الجنسية العامل الرئيسي في تأخير إقامة علاقات حميمة, والبحث عن طرق آمنة للوقاية من الأمراض مثل مرض نقص المناعة (الايدز).
أخيراً إن القرب من الابناء دائماً, والحوار المستمر معهم, يحيطهم بجو من الأمان, والثقة, وتقدير الذات تجعلهم يصارحون الأهل, ويحمون أنفسهم.