ونعرف تماماً أن القاتل الذي يطلق النار هو إسرائيلي, لكن القاتل الذي يموّن ويدعم,يحرك ويحرض هو أمريكي على وجه التحديد وغربي استعماري على وجه العموم, والصورة مشهد يكتمل بفصوله, قتل في فلسطين واستمتاع عربي إلى درجة البلادة والإدمان وسادية لاحدود لها استبدت بالقيم الغربية حتى لقد عاد هذا الغرب الاستعماري إلى طبيعته الأولى حيث ميادين هوسه أقاليم العالم وحقول تجاربه شعوب الأرض قديمها وحديثها ومساحات أهدافه الثروة ومايتصل بها من عوامل يراها الغرب مهمة لمشروعه الكبير والذي اكتسب صفة التاريخية باعتباره مستمراً لم ينقطع ومتطوراً لم يتوقف ومنهجياً منظماً في إزهاق الأرواح سواء بالذبح المباشر أو بتوكيل الإسرائيليين في ممارسة هذا الذبح المنظم.
ولقد تاهت الحدود وضاعت المعايير ولم نعد نحن العرب نعرف على وجه الدقة واليقين ماسر هذه العلاقة بين الغرب بتشكيلاته السياسية والحضارية واليهود بتصنيفاتهم وأصنافهم ليس عبر دولة الكيان فحسب ولكن من خلال تداخل الحركة الصهيونية مع الغرب الاستعماري, لانعرف من الذي يأخذ القرار ويذكي جحيم القتل الهمجي المنظم للعرب, هل الغرب هو في خدمة الصهيونية وإسرائيل أم أن الصهيونية وإسرائيل في خدمة المشروع الامبريالي الغربي المستمر والمتطور, لعله في هذا السياق نستثمر فكرتين سمعهما كل العرب أعني السياسيين وأصحاب القرار, وتجاهلهما كل العرب أعني السياسيين وأصحاب القرار, ونعرف مسبقاً لماذا حدث ذلك, لأن سورية بموقفها وخبرتها هي التي أطلقت الفكرتين وهذا ماهو داخل عمق الجماهير وخارج رغبة الحكام والأنظمة, وأما الفكرة الأولى فإنها تقول بأنه لاتوجد سياسة أمريكية واضحة في المنطقة وإنما هناك سياسة إسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والوقائع لاتكذب النظر ولا تستعصي على البصيرة.
لقد صار الكيان الإسرائيلي هو الخزان الذي تصدر عنه ومنه المشاريع الموحدة واتجاهات التبني الموجد الغربي لهذه المشاريع الصهيونية, وأما الفكرة الثانية فهي التي تقول بأن أمريكا دولة عظمى بكل المعايير المادية والاستراتيجية لكنها عند إسرائيل تتحول إلى دولة صغرى, أي إنها تتصاغر وتكتسب من صغرها موجبات السياسة القاتلة والقرار الأرعن,وبصورة عامة فإنه أينما وجدت السياسة والتطبيقات الغربية فثمة الصهيونية وإسرائيل, لكن العرب وسياسات العرب لاتريد أن تستوعب وهي تصل إلى حد التشنج والعداء لكل من يطرح هذا المنسوب ويجري مواقفه على أساس وحدة الصهيونية والمنهج الأمريكي الغربي عموماً.
وهكذا فحينما غابت الرؤية أولاً غابت بعد ذلك ,وهذا المناخ المتراكب والمذهل هو الذي أدى إلى إنتاج ظواهر بعينها في الممارسات الإستعمارية ضد العرب وفي بلدان العرب بل في عواصمهم ومقدساتهم, ومن ذلك مانسميه الآن كظاهرة إنسانية عالمية (بالقتل المشهود ) ومافي الحكاية سر ولا في الرواية شيء مستهجن مستجد لكن ظاهرة القتل المشهود لم تعد غواية الإسرائيلي وهوايته النفسية والجرمية التي صارت مساحة حياته وقاعدة قيمه ووسيلته أمام ذاته وحصانته أمام المجموع الغربي الصهيوني, والظاهرة لاتخفى على أحد لأن من ينتجها يريدها صريحة فاقعة تؤدي غرضها بقتل النفس البريئة التي حرم الله قتلها وبتكوين واقع مرعوب مهزوم داخل فلسطين وبتوصيل رسالة يومية للعرب, لكل العرب بأنهم لن يستطيعوا فعل شيء بل إن الأمل الإسرائيلي يتطلع إلى اللحظة الواقعية والتي من خصائصها أن يبارك العرب أنفسهم حالة القتل وسفك الدم وأن يقدموا ما استطاعوا من قوة لتغطية أكلاف هذا القتل البيولوجي والسياسي معاً.
لن يكتفي الصهاينة بأن يبقى العرب في موقف شهود الزور على كل مايجري, صار للآخرين هذا التطلع نحو شراكة بل شركة مساهمة مغفلة على الطريقة الاقتصادية تضم في دائرة واحدة الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية وأفعال الكيان الإسرائيلي والمجموعات العربية الحاكمة أو التابعة لها في الحكم والتكوين معاً, والواقعة المستحدثة عبر مفهوم وتجسيدات القتل المشهود لها مواصفات ولها دلائل وعليها تبعات مطلوبة مطالبة,أما مواصفات هذه الظاهرة فإنما تأتي من خلال القتل الجماعي الواضح في النهار وليس في الليل وتحت الأضواء الكاشفة ليلاً وليس في العتمة, اليهود الآن لا يقتلون خلسة ولايتحينون الفرص, ذاك عهد قد مضى, هم يمارسون القتل تحت أنظار الجميع وعلى مسمع الجميع أيضاً, لايعبؤون برد فعل محتمل ولا ترتجف أيديهم أو تتردد ضمائرهم وهم يغتالون الطفل والشيخ والمرأة, وهم يقطعون أجساد المرضى والمقعدين والعائدين من بيت الله الحرام, وهناك على الجانب الآخر في الداخل الفلسطيني من بنى حساباته وأقام ميزانه على أساس الصراع والاقتتال وإثبات الذات المفرغة في مجزرة العصر الحديث, هناك من يتاجر بالدم الفلسطيني ينتظر أن يسقط الشهيد لكي يتغنوا به ويقيموا له المأتم ومجلس العزاء وهناك من يفطن في لحظة الجريمة إلى منطق التنصل من الذنب وإلقاء المسؤولية على الآخر.
وهناك من يقول بأنه من أجل هؤلاء الضحايا سوف يحضر المؤتمرات في الخارج ويباحث قادة الإجرام في الداخل الفلسطيني, ذاك ما أصلته حالة القتل المشهود من مواصفات ومزايا يعجز العقل عن استيعابها ويرتج الضمير من وقعها وإيقاع خطاها, وأما دلائل القتل المشهود فهي رسالة موحدة بمضمون واحد يتغير فيه اسم المرسل إليه وعنوانه فحسب, رسالة لا لبس فيها ولا تعديل في نسخها تقول للفلسطينيين لقد قررنا إبادتكم وللعرب لقد عرفناكم وخبرناكم فأنتم لاتصلحون إلا لدور المروج والمهرج ومن قيمكم إلى نفطكم إلى حكامكم إلى إعلامكم المفرغ الراقص لا تستحقون سوى هذا النوع من النظرة إليكم وهذا المستوى من الإهانة لكم إن كنتم مازلتم تتأثرون بالإهانة وتتحسسون الخطر.
وللمسلمين المليار وثلاثمئة مليون مسلم يصدح بالآذان ويتلو آيات الله بإحكام وبلاغة فالرسالة الصهيونية تقول أيها المسلمون لكم حرية العبادة ولنا حرية القيادة, ولسوف نطعمكم ونحث الغرب على مدكم بكل التكنولوجيا اللازمة للمتعة والاستهلاك, ولم يعد العالم عبر الرسالة الصهيونية الغربية يستحوذ على أي اهتمام, وحينما يتنازل أهل القضية وأصحاب الأرض عن تاريخهم وذاكرتهم وحقهم فإن العالم لن يكون ملكياً أكثر من العرب.
وهناك قوى خيرة متنورة جربت ممارسة هذا الدور كملمح إنساني لكن العرب طلبوا من هذه القوى أن تصمت, عندها حدثت الكارثة حتى على المستوى العالمي, والقتل المشهود كما يحدث في فلسطين هو تيار وحركة ممتدة متطاولة تبعاتها مازالت في الدفقة الأولى وماخفي من هذه التبعات هو الأعظم وهو الأخطر وذاك هو المستحق العربي في الاصطفاف على الدور.