ففي هذا العام سوف تشهد روسيا تغييراً للرئيس, وقد يواكب ذلك انخفاضاً في مستوى نشاط موسكو على المسرح الدولي, وفي الوقت نفسه من المتوقع ألا يتغير الرئيس الأميركي وحسب بل وسيتغير العصر التاريخي بأكمله علماً أن هذا التغيير سيبدأ ليس بعد انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني القادم مباشرة وإنما في عام 2009 وقبل ذلك ستسود فترة هادئة نسبياً وبعبارة أخرى ستمنح البشرية فرصة لالتقاط الأنفاس في عام 2008 على وجه العموم, وهناك شيء آخر تماماً وهو إمكانية حصول انفجارات مفاجئة للنزاعات القائمة وحينئذ حتى المستحيل سيغدو ممكناً.
فما السيناريوهات المحتملة للتطورات الجارية على الصعيد الدولي في هذا العام, مايتعلق بالشأن الإيراني تعتبر إيران أكبر مشكلة يرثها العالم عن عام 2007 ويحلم المجتمع السياسي أن يستيقظ ذات يوم ويرى أن الأزمة الإيرانية قد حلت تماماً دون تداعيات خطيرة على الوضع الدولي, فما السيناريوهات المحتملة لتطور المسألة الإيرانية? الأول: تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم ويبقي مجلس الأمن كل العقوبات الرمزية القائمة حالياً وتواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي انتهاج سياسة تقليص رقعة التعاون مع إيران (العقوبات من جانب واحد) وتربح من ذلك روسيا والصين وسائر الدول التي تطور علاقاتها الاقتصادية مع إيران بمراعاة عقوبات الأمم المتحدة.
السيناريو الثاني: توجه الولايات المتحدة ضربة صاروخية محدودة إلى إيران لا تؤثر على الوضع في إيران كما تخطط واشنطن, وبالتالي فإن روسيا والصين وكل الدول الأخرى التي لا تؤيد الضغط الأميركي والغربي على إيران, ستربح أو على الأقل لاتخسر.
السيناريو الثالث: حرب شاملة بمحاولة احتلال إيران وتتحمل الولايات المتحدة حتى لو حققت بعض النجاح في بداية العملية خسائر كارثية على مرأى العالم الذي يتوقع لها هذه النتيجة وفي نهاية المطاف يربح الجميع ما عدا الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم.
السيناريو الرابع: أن يشهد عام 2008 اتفاقاً بين إيران والولايات المتحدة يربح الجميع وخاصة إيران. الوضع في كوسوفو: من المتوقع أن يعلن إقليم كوسوفو استقلاله الذي تعترف به الولايات المتحدة وقسم من أعضاء الاتحاد الأوروبي ولكن روسيا تمنع مجلس الأمن الدولي من قبول كوسوفو في الأمم المتحدة, والنتيجة لا يحصل كوسوفو على شيء سوى الاستقلال الشكلي من صربيا والذي يتمتع به اليوم وتبدي موسكو تمسكها بالمبادئ دون أن تذعن لأحد وسيتبين إلى أي مدى سيولي الاتحاد الأوروبي اهتمامه لمبادئ عدم المساس بالحدود الدولية ومعاقبة النزعة الانفصالية? وستبقى هذه مشكلة أوروبا بالذات.
زحف الناتو يصل إلى القوقاز: من المحتمل أن يعلن الناتو في قمته المرتقبة في الربيع القادم عن انضمام جورجيا وأوكرانيا إليه, ولكن في ظل الوضع القائم داخل كل من هذين البلدين يبدو هذا السيناريو غير معقول بيد أن العالم يشهد كثيراً من الأشياء غير المعقولة مثل حرب العراق التي هددت أميركا بعظائم الأمور ولكنها شنتها مع ذلك, وكيف يجب أن ترد روسيا على تحدي الناتو هذا? سيكون ذلك امتحاناً صعباً للرئيس الروسي الجديد, فالمشكلة أن الرأي العام الروسي يتوقع أصلاً تصريحات وخطوات بأكبر قدر ممكن من العنف وعلى أي حال لا يجوز نسيان أن التهديد يبدو دائماً أفظع من نتائجه, وإذا كان تخوف روسيا عاملاً ملموساً ذا وزن بهذا الشأن ولكنه سيصبح مشكلة للناتو مع بدء أولى الخطوات الملموسة على طريق انضمامهما إلى هذا الحلف.
المأزق الأوروبي: فلم يعد ممكناً استمرار الكلام الفارغ العديم المعنى الذي خاضه الجانبان الروسي والأوروبي خلال السنتين أو ثلاث السنوات الأخيرة تظاهراً منهما بإجراء حوار, و يعني ذلك نشوب أزمة مفاهيم واضحة في العلاقات الروسية الأوروبية, وعلى أوروبا أن تفهم ولو انتظرت روسيا عشر سنوات كيف يجب أن تتحدث مع روسيا وفي أي موضوع, لقد غير الأوروبيون لهجتهم مع الصين ومن المفترض ألا يمنعهم أي شيء من القيام بنفس الشيء مع روسيا, ويجب على الغرب أن يدرك أن هذه العملية المزعجة له لن تتوقف عند روسيا لأن حلول عصر جديد يميزه توزيع جديد للقوى.
إن العالم أخذ يتغير ضمن منظومة جديدة من الإحداثيات بحيث بدأ الجبروت والنفوذ النسبيان للولايات المتحدة وأوروبا بالانخفاض بينما ازداد وزن الصين والهند وغيرهما من الدول, وبفضل الظروف الملائمة (ارتفاع أسعار النفط والغاز) والسياسة الخارجية الناجمة وجدت روسيا نفسها في عداد الدول التي يزداد نفوذها عامة, ما أتاح للدبلوماسية الروسية ليس فقط الاعتراض علناً على رأي الغرب بل والتخلي عن الالتزامات المجحفة السابقة التي فرضت عليها عنوة, مثل معاهدة الحد من القوات التقليدية في أوروبا والتي لم ينفذها أي من أطرافها سوى روسيا,وكانت روسيا ستتصرف تجاه الغرب بنفس تصرفها الحالي حتى في ظل غياب الأسعار المرتفعة للمحروقات, ومن مميزات الوضع الراهن أن عملية التخلص من سياسة (الانضمام) الخارجية الكارثية انتهت من حيث الأساس بغض النظر عما إذا سلم الأوروبيون والأميركان بهذا الواقع أم لا, ويجب الآن المضي قدماً بهذا الاتجاه.