والسؤال الذي يطرح نفسه:
هل سيواصل الدولار انخفاضه بوتائر متسارعة, ويفلت من أي قبضة عليه? وهل سيواصل في نفس الوقت, اليورو ارتفاعه دون حدود له?
هذا السيناريو القاتم كما جاء في عنوان لصحيفة الايكونومست البريطانية في أحد أعدادها يثير الذعر والرعب في قلوب الأوساط المالية. إن انهيار الدولار ليس فرضية محتملة كثيراً, إلا أنها ليست بالمستحيلة.
وكان الدولار, ومنذ أن تخلى عن ارتباطه بالذهب في 15 آب عام 1971 قد فقد أكثر من ثلث قيمته أمام العملات الأخرى, وبالتالي فإن انهياره لا يعود تاريخه إلى وقت قريب.
ورافق هذا الانهيار حدوث أزمات, ولاسيما في نهاية أعوام الثمانينات حينما هز السومو الياباني عرش الامبراطور الأميركي. ولكن لا انخفاض قيمته, ولا الأزمات التي عصفت به استطاعت أن تزعزع تفوقه كقطب رئيسي للنظام النقدي العالمي, حتى أن الدول الاقتصادية ودول الخليج العربي الغنية ربطت عملتها بالدولار ما يدعونا للقول إن النظام المالي الذي ولد مع اتفاقيات بريتون وودز الموقعة عام 1944 ومات في 15 آب ,1971 مع انفكاك ارتباط الدولار بالذهب ما زال قائماً لم يتزعزع.وإن ابتعدنا عن القارة الأوروبية, نشهد واقعاً شبيهاً بالاحتكار العالمي (شبه منطقة الدولار) وهو نظام أطلق عليه الاقتصاديون تسمية بريتون وودز-2- وهو المهدد الآن بالانفجار والتشظي. وبالتالي فقد بات الدولار موضع خوف وعدم ثقة لأسباب عديدة هي:
-ضعف الاقتصاد الأميركي والركود الذي يغرق به. ويعتقد لاري سومرز, المستشار لدى الرئيس الأسبق كلينتون أن هذا الركود سيستمر فترة طويلة ويمتد إلى ما بعد عام .2010 وفي محاولته لإعطاء نفحة أوكسجين لهذا الركود الاقتصادي. حاول البنك الاحتياطي المركزي خفض معدل الفائدة ولكن بحذر شديد خوفاً من إثارة مخاطر تضخم هم بغنى عنها, في وقت يجري الحديث في الولايات المتحدة عن عودة عملية توقف النمو. هذا الشر الوبيل الذي لم تشهده أميركا منذ أعوام طويلة. وطبعاً كل تلك الاحتمالات ستزيد طين انفجار الدولار المحتمل بلة.
والسبب الثاني هو عودة أزمة الذروات, التي تطرح الشكوك حول متانة وصلابة المصارف الأميركية, لطمأنة قلوب المستثمرين المتعاملين بالدولار.
والسبب الثالث, سبب معلوم وواضح, لكن وقعه ثقيل جداً, وهو العجز في الميزان التجاري الأميركي. وقد استطاعت الولايات المتحدة السيطرة عليه نوعاً ما بسبب انخفاض سعر الدولار الذي أعطى لمنتوجات (صنع في أميركا) قوة تنافسية.
ومع ذلك فقد بقي هذا العجز بنسبة 5,5 % من الدخل الوطني الصافي, والأمر يتطلب المزيد من انخفاض السعر لكي يتوازن, وقد تداعت جميع تلك العوامل بشكل سلبي على سعر صرف الدولار.
وثمة عامل إضافي يمكن أن يزيد في سرعة انهياره, وهو التخلي عن تعادل الصرف الثابت المعتمد في الدول المنبثقة, والأكثر, هو اعتماد عملات احتياطية وتعاملية أخرى.
وهذا ما اعتمده مصرف جيزيل بوندخن البرازيلي, والذي يعتبر نموذجاً رفيعاً كأفضل الدافعين في العالم, والذي استثنى قبول الدفع بالدولار مقابل قبول أي عملة أخرى, وهو ليس الوحيد بذلك, بل حذت حذوه شركة pp6 التي أعلنت عن رغبتها بالتعامل باليورو, لإنشاء مفاعلات نووية صينية علماً أن كلاً من فنزويلا وإيران ترفضان التعامل بالدولار لدواع سياسية. بينما تتباحث دول الخليج العربي النفطية للانعتاق من نير الدولار. ولكن ماذا ستفعل الصين المالكة 1400 مليار دولار? والبلدان المنبثقة تمتلك 3000 مليار دولار كاحتياطي, أي ثلاثة أرباع المخزون العالمي.