أن إحكام تلك الحاميات البريطانية كما أطلقت على نفسها قبضتها على أربع محافظات تابعة للمنطقة الجنوبية من العراق منذ الغزو الانغلو أميركي لهذه الدولة العربية عام 2003 أوصل الأوضاع الأمنية فيها إلى حافة الهاوية بعد أن شكل هذا الانسحاب الأخير من المحافظات الأربع خطوة كبيرة بالنسبة للحكومة العراقية, فقد أصبح بإمكان القوات العراقية البديلة الإمساك بزمام الأمور المتعلقة بالأمن على امتداد الاقاليم الجنوبية من العراق والتي تعتبر أكثر مناطق الشرق الأوسط ثراء وغنى.
وجاء قرار الانسحاب المذكور نتيجة مبادرة تبناها عدد من المسؤولين السياسيين في بريطانيا إلى جانب قادة عسكريين في القوات البريطانية أكدوا أن استمرار تواجد تلك القوات البريطانية في العراق لم يعد مجدياً بعد أن أصبح غير فعال لابل يأتي بنتائج عكسية.
فقد صرح الجنرال البريطاني ريتشارد دانيت الذي تم تعيينه مؤخراً كقائد للجيش قائلا: على قواتنا المرابطة في العراق الانسحاب منه لأن عناصرها تواجه الكثير من العداء كما أن تواجدها هناك يزيد من الصعوبات التي تتعرض لها المصالح البريطانية حول العالم, وكانت حكومة لندن قد صعدت من ضغوطها على القيادة العسكرية للجيش البريطاني بعيد انخراطه في المعارك القتالية التي اشتدت عنفاً في افغانستان, ويتساءل الكاتب والصحفي( ريتشارد نورتون) عن أسباب تأخير انسحاب القوات البريطانية من العراق وعن الهدف من توقيته أواخر العام 2007? هل لأنه أصبح لزاماً على بريطانيا إقناع الولايات المتحدة بضرورة تخفيض عدد الجنود البريطانيين المنتشرين جنوب العراق وبالتالي وضع حد لمواجهة هؤلاء الجنود للعراقيين في شوارع البصرة?.
فعلى امتداد شهور طويلة إن لم يكن عدة أعوام شجب قادة الجيش البريطاني ما دعوه( الثقافة العراقية) وقد عينت حكومة بغداد جنرالين عراقيين هما موهان الفراجي وخليل خلف لتولي قيادة الجيش العراقي وقوات الشرطة في البصرة بالإضافة إلى إعلان عدد من المسؤولين السياسيين البريطانيين البارزين أنه تم تدريب ما يكفي من عناصر الأمن العراقية وصل عددها إلى 30000 عنصر لخلق قوات محلية فاعلة تشرف على الأوضاع الأمنية ستوضع على المحك مستقبلاً, فرغم تسلم القيادة العسكرية البريطانية محافظة البصرة لقوات عراقية إلا هناك اليوم 4500 جندي بريطاني يحيطون بمطار البصرة إلى جانب 2500 جندي آخرين سيلتحقون برفاقهم في الخريف القادم حسبما صرح رئيس حكومة لندن (غوردن براون) وبتوقيع أن تبقى تلك القوات حتى عام 2009 تحت إشراف قيادة البنتاغون في العراق.
وترتفع أصوات داخل طاقم غوردن براون تطالب بالكشف عن المكاسب الكامنة وراء الاحتفاظ بقوات بريطانية في العراق وأي هدف يحققه بقاء تلك القوات هل السبب هو فقط المزيد من التدريب والإشراف على القوات العراقية? وماذا جنت تلك القوات منذ دخولها البصرة عام 2003? وهل اكتفت قيادتها بتوفير وتأمين الحلوى والمياه لمجموعة من أحياء البصرة إلى جانب تنظيف شوارعها أم ماذا?.
هذا ويرى مسؤولو الأمن العراقي ورجال السياسة هناك أنه يتوجب على القوات البريطانية التي لا تزال في العراق مغادرة هذه الدولة العربية كي تتحسن الأوضاع الأمنية فيها, فقد تحول تسليم جنود الاحتلال البريطاني مدينة البصرة للقوات العراقية إلى نقطة انعطاف في تاريخ العراق الحديث, إذ أصبح بإمكان العراقيين تولي مهام الحفاظ على أمنهم وقانونهم وأنظمتهم في بلد عربي غني بالنفط ويتمتع بموقع استراتيجي مهم في منطقة الخليج العربي.