تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فرجينيا وولف رَمَت الحياة بعيداً.. والسيدة دالاواي تلقفتها..!!

كتب
الأربعاء 9/1/2008
لميس علي

ملأت آدلين فرجينيا ستيفن جيوبها بالحجارة, وألقت بنفسها في نهر أووز, منتحرة وواضعة حداً لحياتها ولمرضها العقلي في آذار 1941م.

فهل كانت آدلين تلك, التي عُرفت باسم (فرجينيا وولف), تتمثل رؤية ونظرية بطلتها السيدة دالاواي في الموت.. السيدة دالاواي أو كلاريسا دالاواي-في الرواية الأشهر لفرجينيا, المعنونة باسم البطلة- رأت أن (الموت تحدّ. الموت محاولة للتواصل, والناس يشعرون باستحالة الوصول الى المركز الذي يراوغهم على نحو صوفي, التقارب يتباعد, الوجه يذوي, الفرد وحيد. ثمة عناق في الموت)‏

هذا ما جال في خاطر السيدة دالاواي عندما سمعت نبأ انتحار الشاب (سبتيموس) إحدى شخصيات الرواية, وممن قاتلوا في الحرب العالمية الأولى. شعرت أنها بشكل ما شبيهة له.‏

ولئن كان هذا ما فكرت به حول الموت إلا أنها كانت شخصية محبة للعيش, لها فلسفتها الخاصة والخاصة جداً عن الحياة, كما رسمتها وولف, تهوى إقامة الحفلات وجمع الناس ولقياهم.‏

تصور رواية (السيدة دالاواي) التي صدرت طبعتها الجديدة عن دار المدى ضمن سلسلة أعمال خالدة, تصور يوماً من أيام حياة كلاريسا دالاواي وهي تحضر لحفلة في منزلها. إذ تبدأ (وولف) روايتها بالصباح الباكر ليوم الحفل, وتنتهي مع نهاية ذاك اليوم. ولذلك فلا أحداث حقيقية ملحوظة يتم سردها.. وهنا تكمن خصوصية العمل.‏

هناك ذكريات, تداعيات, وانطباعات سوف تصدر عن شخوص الرواية الأربع الرئيسيين: (كلاريسا دالاواي, بيتر وولش, سالي سيتون, هيو ويتبريد) الأصدقاء الذين سيلتقون في الحفل, بعد مضي ثلاثين عاماً على اجتماعهم الأخير سوية.‏

إذاً.. ثمة حدث وحيد (الحفل) تتسارع حوله الكثير من الأفكار التي تقتحم خيال كل من الأصدقاء على حدة. كلاريسا تستذكر علاقتها المميزة بصديقتها سالي وتأثر كل منهما بالأخرى.. ((لو كان لي أن أموت الآن, لكان لي الآن أسعد الموت). ذلك كان شعورها-شعور عطيل, وقد أحست به, وهي مقتنعة بهذا الاحساس, وبالقوة نفسها التي أراد شكسبير أن يحس عطيل بها. كل ذلك لأنها كانت تنزل للعشاء بفستان أبيض لتلاقي سالي سيتون!).‏

وتذكر كيف تم البعد بينهما بسبب سخرية سالي من ريتشارد دالاواي في أحد اجتماعاتهم, ريتشارد الذي أصبح فيما بعد زوجها المحب. في الوقت الذي تعصف تلك الذكريات لمخيلة كلاريسا, فإنها لن تنسى ذكرى حبها الأول (بيتر) الذي يحيا غراماً جديداً كما يخبرها, دون أن يتحرر من حبه الأول (كلاريسا)..‏

أما سالي ذات الأفكار المتمردة فسوف تتزوج لتصبح السيدة روزيتور ولتنجب خمسة أبناء.‏

عبر هذه التداعيات والذكريات يتم بناء ملامح الشخصيات, وذكر الأحداث التي مرت معها في الماضي وصولاً الى اللحظة الحالية. ولذلك لا يبدو السرد -إن وجد- تقليدياً, وكذلك الزمن في الرواية ليس تصاعدياً يسمح بتصاعد حبكة العمل ووصولها الى العقدة. إنما الزمن هو زمن أفقي, إن جاز القول, متحرر من وجود الحبكة التقليدية..‏

يتقافز من الحاضر الى الماضي ثم ثانية يعود الى الحاضر (لحظة الاعداد للحفلة).‏

وكما لو أن الزمن يقوم في هذه الرواية بوظيفة تجعل الأحداث تتجاور على نحو ما, لا أن تتتالى. تكرس (وولف) هذه الأسلوبية عبر استخدامها لعبارة (دقت بيغ بن نصف ساعة). تكرر هذه العبارة لنقلنا في اللحظة الزمنية ذاتها من تداعيات شخصية الى أفكار الشخصية الأخرى.. وبذلك عندما تصور لنا بيتر وولش وهو جالس في حديقة (ريجنت), يكون كل من ريتشارد و هيو يتناولان الغداء في منزل بروتون, بينما ابنة كلاريسا دالاواي (اليزابيث) تتجول في الأسواق مع مدرستها.. كل ذلك يتم في الوقت عينه, ما يؤدي الى تقاطع تلك المشاهد غير مكتملة التصوير.‏

تلك السمات الأسلوبية في رواية فرجينيا وولف وما فيها من تجديد ثورة على أساليب القص التقليدية, يجعلها من أهم المساهمين في تشكيل تيار الوعي.‏

ومع أهمية هذا الأسلوب المبتكر لدى وولف في (السيدة دالاواي) إلا أنه لا يبدو الميزة الوحيدة التي تكسب الرواية قوتها. فهناك رصد لمجموعة العادات والتقاليد التي كانت سائدة في انكلترا خلال الفترة التي عاصرتها (وولف) التي ولدت في أسرة ارستقراطية ونشأت على قواعد المجتمع الفكتوري الصارم.‏

وبسبب هذه القواعد الظالمة غيرالعادلة بين الجنسين حُرمت فرجينيا من فرصة التعلم النظامي, كما شقيقتها, كما حُرمت نساء عصرها من كل فرصة للاستقلال الاقتصادي عن الرجل.. فتحمل شخوص عملها بعضاً من أفكارها, أو تجعلهم بصفات متحررة نوعاً ما من رواسب التقاليد الفكتورية.. (عندما قالت إحداهن-كانت سالي سيتون-هل يختلف شعور المرء إذا عرف أن زوجته كانت قد حملت, قبل زواجها, بطفل? في تلك الأيام لم يكن يتجاسر أحد على مثل هذا في جلسة مختلطة بين الجنسين).‏

وكذلك تُظهر بعضاً من بقايا الأسرة الفكتورية المحافظة من خلال وصفها لطبيعة العلاقة القائمة بين السيد والسيدة دالاواي.. (كان عليها, وهي بضعف ذكاء زوجها أن ترى الأشياء من خلال عينيه- وهذه هي إحدى كوارث الحياة الزوجية).‏

- لعل فزجينيا وولف في إنهائها لحياتها قد اقتنعت بما توصلت إليه بطلتها دالاواي التي آمنت.. صاحبة النظريات الكثيرة آمنت (بأنه مذ أن ظواهرنا, مذ أن الجزء الذي يظهر منا, هو جزء مؤقت, بالمقارنة بالجزء الآخر, الجزء غير المرئي منا والذي ينتشر واسعاً, فإن غير المرئي قد يبقى وقد يستعاد بطريقة أو بأخرى لاصقاً بهذا الشخص أو ذاك, حتى محوّماً في أماكن معينة تكون مسكونة به, بعد الموت. ربما-ربما).‏

الكتاب: رواية السيدة دالاواي المؤلفة: فرجينيا وولف ترجمة: عطا عبد الوهاب الناشر:دار المدى طبعة عام 2007م‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية