ويبدو لكل ذي عينين أن لعقة الدم في البيت الأبيض والأرض المحتلة لم يكتفوا بما قاموا به ويقومون في العراق وفلسطين, فما زالوا مصرين على ارتكاب أبشع الجرائم بحقهما إذ يتقلب القطران العربيان على بركان تدمير الأرض والإنسان, ويتراقصان على نار التقسيم والفتنة, ويكتويان بجبروت الابتزاز الأميركي - الصهيوني.
وها هو ذا لبنان يئن تحت ساطور الفوضى الخلاقة التي جلبها إليه بوش وسفيره فيلتمان, حتى صار الفراغ الرئاسي العبثي سيد لبنان باعتباره يلبي المصالح الأميركية - الصهيونية المرسومة له وللمنطقة في إطار ما بات معروفاً عن مشروع الشرق الأوسط الجديد, وقديماً قال الرئيس الأميركي الأسبق (روزفلت): (تحدث بنعومة واحمل عصاً غليظة).
وإذا كان العراق قد دمر بعد احتلال الجيش الأميركي - البريطاني له في (9/4/2003), ثم بيع شعبه في سوق النفط والنخاسة والتمزيق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل فإن إيران معرضة للمصير نفسه بذريعة البرنامج النووي الإيراني المهدد للسلم العالمي كما تزعم إدارة بوش على الرغم مما يشاع عن تراجع الخيار العسكري, ولاسيما حين جاء نشر تقرير الاستخبارات الأميركية (NIE) يوم الاثنين (10/12/2007) غير متناغم في ظاهره مع سياسة بوش ومسوغاته لضرب إيران. فنحن نرى أن هذا التقرير لا يتناقض معها كل التناقض, إذ يشير إلى أن إيران مستمرة في تطوير الوسائل التقنية, مما سيتيح لها تخصيب اليورانيوم لإنتاج سلاح نووي بين (2010 و2015). وبهذا يصبح التقرير الذي رحب به بعض الإيرانيين - وإن أشار إلى عدم وجود أي نمط من تخصيب اليورانيوم بغرض عسكري - مسوغاً لغزو إيران بذريعة سعيها إلى امتلاك القنبلة النووية.
فالإدارة الأميركية اليمينية بقيادة بوش ومن خلفها الكيان الصهيوني يصطنعان ذريعة قديمة جديدة لتدمير البرنامج النووي الإيراني السلمي, إذ تكره تلك الإدارة امتلاك أي دولة غير موالية لها لأي تقنيات متقدمة أو برامج نووية بغرض التقدم العلمي والصناعي والزراعي و.. على حين تتجاهل ما تمتلكه هي وغيرها من أسلحة نووية فتاكة, فضلاً عما يمتلكه الكيان الصهيوني من قنابل نووية.. فالخطر الحقيقي يكمن في الدولة الأميركية المارقة, لما لها من تاريخ بشع في ضرب الشعوب, فمن منا ينسى الرئيس الأميركي الأسبق (هاري ترومان) الذي أمر بتدمير ناغازاكي وهيروشيما بالسلاح النووي..?! ومن منا ينسى نشوب الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي السابق بعد أن امتلك القنبلة النووية?!
إن ما يجري من قبل أميركا اليوم يذكرنا بما قامت به سابقاً ولاحقاً حين اتفقت مع حليفتها (الدولة الصهيونية) على ضرب المفاعل النووي العراقي. لهذا كله من منا يضمن عدم قيام الدولة الصهيونية اللقيطة بضرب المفاعل النووي في (بوشهر) باتفاق مع إدارة بوش قبل أن يبدأ العمل به في الصيف المقبل (2008) كما صرح به وزير الخارجية الإيراني (منوشهر متقي) في (30/12/2007) بناء على تأكيد الشركة الروسية (آتوم ستروي اكسبورت) في (20/12/2007) أو ضرب المنشأة النووية في (نتانز) ولاسيما أن تقرير محمد البرادعي المقدم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تضمن إشارة واضحة إلى وجود ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي تعمل في هذه المنشأة, ما يعني أن - الإدارة الأميركية - ترى أن عملية تخصيب اليورانيوم ستتوسع وتزداد لبدء إنتاج الوقود النووي الصناعي?!
ومن منا يهمل ما أكده بوش يوم (17/10/2007) إذ رأى ضرورة منع إيران من الحصول على تكنولوجيا صنع القنبلة النووية, وحاول إقناع العالم برؤيته هذه ليتحاشى حرباً عالمية ثالثة?!
ثم ها هو ذا يخفف من لهجته العدوانية ولكن الفحوى يبقى ثابتاً إذ صرح لمحطة التلفزة الأميركية (إي بي سي نيوز) في (20/11/2007) بأنه سيتبع الطرق الدبلوماسية لتحقيق أهدافه ولكنه أضاف قائلاً: (اعلم - أيضاً - أنه من المهم جداً أن تبقى كل الخيارات على الطاولة) بما فيها الخيار العسكري. وقد أكد هذا التوجه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأدميرال (مايكل مولن) وذهب إلى (أنه لن يسقط - أبداً - الخيار العسكري ضد إيران). وكان (مولن) قد اجتمع بوزير الدفاع الصهيوني (إيهود باراك) في واشنطن وناقشا التنسيق بين إدارة بوش والكيان الصهيوني لوضع خطط شن ضربات وقائية ضد إيران, فالتخلص من البرنامج النووي الإيراني حاجة صهيونية وفق ما أوضحه الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) إذ قال: (المشكلة بالنسبة لنا ليس في احتمال أن يشن الأميركيون هجوماً عسكرياً بقدر ما يعتبر الإسرائيليون أن أمنهم في خطر). وقد زاد احتمال هذا الخطر بعد نشر تقرير الاستخبارات الأميركية, ما يؤكد أن حصول الحرب قائم, وأقرب إلى الحقيقة, ولن ينقذ (إيران من الحرب إلا التعاون بينها وبين فرنسا ووكالة الطاقة النووية, فعلى إيران أن تسمح لمفتشي الأمم المتحدة بإجراء عمليات تفتيش على منشآتها النووية) وهو ما ترفضه إيران وتطلب إعادة ملفها النووي إلى وكالة الطاقة.
ولما صرح الرئيس الإيراني (محمود أحمدي نجاد) أمام أهالي أردبيل - شمال غرب إيران - في يوم (21/11/2007) بأن (الجيش الأميركي رث, وأن أسلحة خصوم إيران في العراق صدئة) أجابه مسؤول رفيع في الجيش الأميركي: (إن الآلة العسكرية الأميركية لم تضعف بعد أربع سنوات من القتال في العراق, وهي مستعدة لمواجهة أي تهديد إيراني).
فالضغوط الأميركية المدعومة بالدفع الصهيوني ستجر العالم إلى حافة الهاوية, ولاسيما أن السياسة الأميركية تمضي في تنفيذ خططها من دون أي رادع أخلاقي مستفيدة من أن بوش أسوأ رئيس يمر في ذاكرة الأميركيين أنفسهم. ولا شيء أدل على هذه السياسة الخرقاء مما جاء على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض (دانا بيرنيو): (إن تقرير البرادعي يكشف بوضوح أن إيران لا تبدو مهتمة بالعمل مع بقية العالم). ثم صعّد السفير الأميركي لدى المنظمة الدولية (زلماي خليل زاد) لهجته من أجل تشديد العقوبات الدولية على إيران.
ونحن لا نشك في أن البرنامج النووي الإيراني برنامج سلمي هدفه تطوير البحث العلمي الزراعي والصناعي والكهربائي و.. لسد حاجات الحياة المتزايدة, ولا يوجد فيه أي انحراف كما قد أمدت المفاعل النووي الإيراني (بوشهر) باليورانيوم.. ولكننا - في الوقت نفسه - لا نشك في أن الإدارة الأميركية بقيادة جورج بوش الابن ومن خلفها الكيان الصهيوني لن يتركا إيران تمضي في تنفيذ برنامجها النووي, مهما ادعى قادة إيران بأنه برنامج سلمي ويعمل حسب قوانين ومقررات الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وفق ما صرح به السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة (محمد خزاعي). فالإدارة الأميركية - الصهيونية لن تنسى للثورة الإسلامية ما قامت به من طرد السفير الصهيوني, وإقامة سفارة فلسطينية مكان السفارة الصهيونية, وجعل القدس قضية إسلامية عامة وإيرانية خاصة, و دعت إلى عودة اللاجئين إلى فلسطين والتعويض عن ممتلكاتهم و.. وكذلك فإن الكيان الصهيوني والإدارة الأ ميركية لن ينسيا ما أعلنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على الملأ حين شكك بوجود المحرقة المسماة (الهولوكوست).
إذاً, سوف تمضي إدارة بوش في الوصول إلى تشديد العقوبات على إيران ولاسيما أن تلك الإدارة لم تغير تصنيف إيران, فهي لا تزال مصنفة بإحدى دول محور الشر, ثم توعز للدولة اللقيطة كي تنفذ ضربتها, الجوية وربما النووية, وسينتصر الكيان الصهيوني - كما تزعم تلك الإدارة - على اعتبار أن خسارة الإيرانيين ستبلغ ملايين من البشر, على حين لن يخسر الصهاينة أكثر من مليون صهيوني, على اعتبار أن الصهاينة يملكون - حالياً (200) رأس نووي تطلق من الجو والبحر.
وإذا ما كانت المخططات الأميركية خاطئة وقامت إيران بالرد القوي - وفق دراسة أعدها (المركز الأميركي للدراسات الاستراتيجية والدولية) في واشنطن - فإن إدارة بوش ستدخل الحرب بكل أسلحتها النووية الفتاكة لضرب إيران وتدميرها بحجة تخليص العالم من البرنامج النووي الإيراني.
ويمكن لأي متابع للشأن السياسي والعسكري في الملف النووي الإيراني أن يقول: إذا ما تخلت إيران عن تخصيب اليورانيوم, وأعلنت إذعانها للإرادة الصهيونية - الأميركية, وتعاونت مع جيش الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان فإن مشكلات إيران كلها ستحل, وستصبح دولة صديقة للغرب, وربما تتغاضى عن البرنامج النووي لإيران.
ولعل هذا التوجه هو الذي ورد على لسان الرئيس الفرنسي (ساركوزي) حين ذهب إلى أنه يؤمن باتباع سياسة الحزم والحوار في التعامل مع الملف النووي الإيراني, إذ لا يجوز حرمان الدول التي تحترم القوانين من الطاقة النووية لغايات سلمية.
فتأمل يارعاك الله!!