تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوتار..الحب ليس لنا نحن التعساء في الأرض

آراء
الأربعاء 9/1/2008
ياسين رفاعية

تلقيت رسالة بالفاكس من السيد جمال موصللي, من دمشق, يقول فيها: هل أنت تعيش في برج عاجي ياسيدي, ولا تعرف شيئاً عن الناس (يللي تحت).. الناس المساكين الفقراء الذين همهم اليومي الحصول (على خبزنا كفاف يومنا).

هل تعرف هذه الطبقة التي تتجاهلها في (أوتارك) هي السواد الأعظم من شعبنا? وأن هناك من هؤلاء من يضطر للعمل في أكثر من وظيفة ومهنة.‏

إن العنوسة أصبحت منتشرة في بيوت الفقراء, إن الصورة - ياسيدي - أبشع من ذلك بكثير.. حيث الصراع مع الحياة متع هؤلاء البشر من الاهتمام بأنفسهم.. فلا تستطيع الفتاة أن تشتري شيئاً لأنوثتها.. وما هذا الحجاب المنتشر في البلاد إلا سببه الكامن الفقر المدقع, وإن كان مظهره الإيمان والعودة إلى الدين.. بل إن العودة إلى الإيمان سببه - غير حقيقته - لعل الله ينقذ هؤلاء من عليائه.. إن ا لذهاب إلى الله جزء من هذا الفقر.. انظر إلى المصلين في المساجد أكثرهم من الفقراء المعوزين والمحتاجين, والقليل منهم من أصحاب النعمة والغنى والثراء.‏

هل تكتب من لندن أم من بيروت حيث نراك متنقلاً بين هذه المدينة وتلك.. ولا تعرف ماذا يحصل في بلدك, في تلك الأحياء الفقيرة وعلى أطراف الأرياف والمدن.‏

لهم الحب وليس لنا نحن التعساء في الأرض.. لهم الجمال والأندية التي تشد البطن وتشفط الدهن وتنفخ الشفاه بالسيليكون.. لهم معاهد التجميل واستعادة الشباب الآفل, والسفر بالطائرات الفخمة, وبالدرجة الأولى إلى مدن الغرب, لهؤلاء تكتب ياسيدي وتروج للحب في مجتمعهم المخملي, دون أن يخطر ببالك.. أن هناك من ينام وهو جائع.. ومن يستيقظ وليس بجيبه إجرة السرفيس.‏

كان يمكن لي أن أكتب لك مئة صفحة عن هؤلاء الذين أنا واحد منهم, والذين لم تعطهم الحياة فرصة لأن يعرفوا الحب ويعشقوا, فمطحنة الحياة تطحنهم على مدار الساعة كحبة القمح بين حجري الرحى.‏

هؤلاء يستحقون أن تلتفت إليهم, ولو بزاوية من زواياك.. ولكن يبدو أنك في واد ونحن في واد.‏

هذا مختصر الرسالة الطويلة التي وصلتني بالفاكس حاولت اختصارها قدر الإمكان.‏

وأريد في جوابي أن أقول لصاحب الرسالة: من قال لك أن الحب حكر على الطبقة البرجوازية أو الارستقراطية أو أثرياء الفساد وأمثالهم, بل يمكن القول إن هؤلاء بالذات لا يعرفون شيئاً عن الحب, لأن عالمهم عالم مادي, المال يحكم العلاقات فيما بينهم, وهم يتصورون, بل يحققون رغباتهم بالمال والإغراء المادي والمعنوي للإيقاع بهذه المرأة أو تلك.. وحتى المرأة من تلك الطبقة تعرف ماذا تريد من الرجل وتعامله نفس المعاملة دون أن يرف لها جفن الحب ولو لحظة.‏

الحب عاطفة يملكها كل البشر, ويعيشها كل إنسان منا‏

الحب عرفته البشرية منذ آدم وحواء, وهو الحب الذي أخرجنا من الجنة, فكان عقابنا أن نولد ونعيش ونموت, ألم تقرأ الحديث الشريف: (الأرواح جنود مجندة, ما تعارف منها ائتلف, وما تنافر منها اختلف) وهذا الحديث الشريف ينطبق على كل البشر غنيهم وفقيرهم.‏

وفي التراث ما قاله الأصمعي: (إذا تقادحت الأخلاق المتشاكلة, وتمازجت الأرواح المتشابهة, ألهبت لمح نور ساطع, يستضيء به العقل, وتهتز لإشراقه طباع الحياة, ويتصوّر من ذلك النور خلق خاص بالنفس, متصل بجوهريتها, يسمى العشق).‏

أو قول ابن داود: (ولو لم تكن عفة المتحابين عن الأدناس. وتحاميهما ما ينكر في عرف كافة الناس, محرماً في الشرائع, ولا مستقبحاً في الطبائع, لكان الواجب على كل واحد منهما تركه, إبقاء ودّه عند صاحبه, وإبقاء على ودّ صاحبه عنده).‏

وقال أبو الحسن الديلمي في التراث أيضاً: (وأعلم أنا إنما بدأنا بذكر المحبة الطبيعية, لأنه منها يرتقي أهل المقامات إلى ما هي أعلى منها حتى ينتهي إلى المحبة الإلهية, وقد وجدنا النفوس الحاملة لها إذا لم تتهيأ لقبول المحبة الطبيعية لا تحمل المحبة الإلهية).‏

واقرأ ما يقوله ابن القيم: (ويكفي أن يكون الإعرابي الذي لا يُذكر مع الملوك, ولا مع الشجعان الأبطال, يعشق ويشتهر بالعشق, فيذكر في مجالس الملوك والخلفاء ومن دونهم, وتدون أخباره, وتروى أشعاره, ويبقى له العشق ذكراً مخلداً, ولولا العشق لم يذكر له اسم, ولم يرفع له رأس).‏

فإذا تمعنت بهذه الأقوال المقتطفة من التراث العربي.. تجد أن الحب ليس لفئة دون فئة.. وأنا عندما أكتب عن الحب, أعرف أنني أضرب على الوتر الحساس عند الناس كافة, ليس لهذه الطبقة أو تلك, بل إن الحب الحقيقي والصادق يظهر عند الفقير قبل الغني وعند الإنسان العادي قبل الإنسان المشهور, وربما أن الطبقة التي تتهمني أنني أكتب لها لم تكن ببالي أبداً. فأنا مثلك من طبقة فقيرة لا أمتلك سوى قلمي ومنه أعتاش. وأردت دائماً في الكتابة عن الحب, أن تتقارب الناس بعضها من بعض, وأن تتواصل.. وقلت دائماً أن الحب يولد الطموح عند هذا الشخص أو ذاك, ويتخلص به الإنسان من الخمول والكسل والاعتماد على الغير.‏

نعم.. تقول لي (ما لنا فاضيين للحب), هذا كلام غير صحيح, إنها الحياة, وهي التي تتألق بالحب ولو على رغيف خبز وقرص فلافل, الحب موجود عند كل الناس.. منذ الأزل إلى الأبد.‏

اقرأ معي هذا الوصف المذهل للحب, الذي لو اعتمده عالم اجتماعي لألف عنه مجلدات. قال الأصمعي: (سألت إعرابية عن العشق فقالت: جل والله عن أن يُرى‏

وخفي عن أبصار الورى‏

فهو في الصدور كامن‏

ككمون النار في الحجر‏

إن قدحته أورى‏

وإن تركته توارى).‏

وليس هناك أبلغ من هذا الكلام. وفي المحصلة, فإن الحب ليس طبقياً, إنه لكل الناس كباراً وصغاراً, أثرياء وفقراء.. وهو نعمة من الله تعالى أعطانا إياها كي نتعارف ونتواصل ونحب بعضنا بعضاً, فالله, في الأصل محبة.‏

والحب, في التعريف, هو القدر المعتدل من العشق. إنه عاطفة إنسانية ذات طبيعة خاصة بكل فرد, فمع التسليم بقدر مشترك يظل تجربة ذاتية تختلف من شخص لآخر. وإذا كان الأمر - كما يقول ابن قتيبة - في مقدمة الشعر والشعراء: (إن الناس يميلون إلى سماع الحب.. والتشبيب لأنه: قريب من النفوس.. لائط بالقلوب, لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل, وألف النساء, فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون عاشقاً, وضارباً في الحب بسهم, حلال أو حرام).‏

اسمع أخيراً ياصديقي جمال هذه الحكاية:‏

(كانت سارة عند النبي ابراهيم عليه السلام, فمكثت معه دهراً لا ترزق منه ولداً, فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمتها (أي خادمتها) فولدت لابراهيم, فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر, فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أعضاء, فقال لها ابراهيم عليه السلام: هل لك أن تبرِّ بيمينك? قالت: كيف أصنع? قال: اثقبي أذنيها واخفضيها, والخفض هو الختان, ففعلت ذلك بها, فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً, فقالت سارة: إنما زدتها جمالاً, فلم تكاره على كونها معه, ووجد بها ابراهيم وجداً شديداً فنقلها إلى مكة, فكان يزورها كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عليها).‏

هكذا - يا أصلحك الله - حتى الأنبياء يعشقون.‏

سلام عليك‏

سأقول لك كنت فجر الاطفال وأنا اللحظة دفنت روحي وأزحت عن نفسي وقود العمر مسيجا قلبي بوداعتك الراحلة ..‏

جئتني حبا ينبت حبا وشوقا يولد شوقا وكتابا يمتلئ بلغتك بظلالك أنت بموج بحرك يغسلني من خطاياي مبارك مرقدك الأخير.‏

مبارك بك جميلة تحت هذا الترب وانا‏

كلما جئت زائرا أستنشق عبيرك المالئ كل المكان يا الله.. كم كنت جميلة وانا اناديك بملء حنجرتي وأناجيك نائما وصاحيا أنا مع الناس أنا وحدي انا مع الفجر أنا في الليل.‏

هذه اللحظة ألامس كل شيء في بيتك الصغير أصحيح مرت أناملك هنا هذا الصحن, هذا الفنجان هذه الملعقة حتى كؤوس الماء والثلج والتفاح والزنبق.‏

يالحضورك الدائم‏

هل تتسع كل هذه الكرة الارضية لشعرة واحدة انفلتت من رأسك الجميل وطارت في الهواء فامتلأت السماء شمسا ونجوما وأقمارا ألوانا وجمالا?!‏

ستعرفين كيف تعرفين أن هذه اليد التي تكتب لك مثل فم طعم جسدك على أنامله.‏

كيف تعرفين أن هذه العين التي تركض وراء الكلمات كانت تركض وراء وجهك الساحر ولا تشبع وتعدو تحت ظلالك فلا ترى الاشموخا وقمما تكاد تقول: خذني الى حضنك حتى تنبع اللذة من مسامي نقطة نقطة وآهة وحركة حركة كيف تعرفين‏

أي شوق يتحول جوعا‏

وأي قطرة ماء‏

تتمناك عطشا‏

وأي أرض‏

تتمناك مطرا?!‏

برحيلك ساد الجفاف, ويبست الارض وهرت أوراق الاشجار واضمحلت الغابات وفرغت الينابيع من الماء.‏

سلام عليك حيث تكونين سلام عليك في أي ذرة أنت من التراب.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 09/01/2008 09:20

ربما أخطا القارىء في سرد فكرته, إنما متأكد أن الكاتب اختط كلمة الحب من كل رسالة القارىء وشححذ من الماضي أقوالا بلاغية في الحب مع أن القارىء يتحدث برسالته عن الحاضر, وعليه أود أن أجيب القارىء بأن الحب يمكن أن يطحن والخطأ أن نتطلع إليه فقط ونغيب المحبة التي يمكن أن تفيض في أحلك الظروف, وأقول للكاتب أن الحب الذي وصفته بالمعتدل من الشوق عبرت عنه بتطرف اللذة في خاتمة مقالتك, وهذا هو أسلوبك المعتاد:المتشائم والمتناقض معا.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية