وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة في مجال التطوير وتنمية الموارد المائية في محافظة إدلب, تتعرض العديد من الآبار الارتوازية إلى اهتزازات في المسألة المائية, سببها الزيادة في الطلب على المياه!! والسنوات القادمة ستحمل معها صعوبات تزيد على سابقاتها في السنوات الماضية.
ونحن نعلم أن الإحصائيات تقول إن عدد الآبار الارتوازية المرخصة لسقاية المزروعات في مختلف مناطق المحافظة تجاوزت 5125 بئراً وقد قامت الجهات المعنية في محافظة إدلب ومنذ العام 1989 وحتى عام 1994 بمنح 5125 رخصة لحفر الآبار الارتوازية, وتهرباً من تنفيذ الخطة الزراعية قام الآلاف من المزارعين بحفر الآبار الارتوازية دون تراخيص ويبلغ عدد هذه الآبار غير المرخصة أكثر من 3000 بئر في مختلف مناطق المحافظة تروي حوالي 4365 هكتاراً.
أسباب
يبدو أن الدافع الأول والمتعلق بانخفاض نسبة المياه الجوفية في العديد من مناطق المحافظة يعود إلى رغبة المزارعين في استغلال المياه في سبيل تحقيق أرباح ضخمة بأسرع وقت ممكن دون الاهتمام بما سيحدث في المستقبل!! وظاهرة الإسراف في استعمالات المياه بقصد ري الزراعات نشطت نشاطاً ملحوظاً في السنوات القليلة الماضية, وذلك من خلال التنافس غير المدروس بين المزارعين على زيادة الإنتاج..على أن هناك حقيقة يجب ألا ننكرها وهي أن نوعية الإنتاج في كثير من الأحيان تكون رديئة إلى أقصى الحدود!! والسر في ذلك يرجع إلى أحد عاملين أو إلى كليهما: الجهل في استخدام كميات المياه المستخدمة في ري الزراعات ثم إسراف في استخدام المخصبات كالأسمدة, ولا غرابة في ذلك, فكثير من المزارعين يتوهمون بسذاجة أو يرون بدافع من رواج تجاري أن في وسع أي مزارع أن يزرع أي محصول كان ما دامت لديه القدرة على ضخ المياه في أغراض السقاية, إلا أنه يجب ألا يلجأ إليها إلا في حالات الضرورة القصوى حرصاً منه على عدم التبذير في الاستعمال والأمانة في المحافظة على مستوى ونسبة المياه الجوفية, والمياه الجوفية في محافظة إدلب قابلة للزيادة أو النقصان, فهي تزداد زيادة كمية كما أنها تزداد زيادة طيفية استجابة لارتفاع مستويات منسوبها في الخزان الجوفي وزيادة نسبة الهطولات المطرية تزيد منسوب المياه الجوفية زيادة كمية وتساقط الثلوج وذوبانها على قمم الجبال أين ما كانت يضاعف كمية منسوب المياه والزيادة الطيفية في مخزون المياه الجوفية تشير إلى إمكانية زيادة المنفعة الحاصلة من استعمال كمية متضائلة من مصدر طبيعي معين.
وبعض الإسراف في استعمالات المياه طبيعي, لا يمكن تفاديه, كاستعمالات المياه في أغراض البيوت, فهو نتيجة حتمية يفرضها الاستعمال ولكن الإسراف في المياه ليس كله من هذا القبيل, إذ إن بعضه ناتج عن سوء تصرف المزارع نفسه وإهماله لبيئته بسبب أنانيته وقصر نظره, والمزارع في محافظة إدلب عموماً يسعى للحصول على ما يريد من المياه الجوفية في الحال دون أن يأبه في أكثر الأحيان لأثر ذلك على مستقبل الزراعة في هذه المحافظة.
المهندس الجيولوجي عبد الله بركات تحدث لنا عن أسباب انخفاض منسوب المياه الجوفية في الآبار الارتوازية في العديد من مناطق محافظة إدلب فقال: تعود أسباب انخفاض منسوب المياه الجوفية لعدة أسباب منها:
1- زيادة عدد الآبار المحفورة والمنفذة ضمن وحدة المساحة بالإضافة إلى الضخ الزائد عن طاقتها الفعلية وعدم تقيد الفلاحين بالضخ بما يتناسب مع المساحة المرخصة.
2- زيادة عدد الآبار غير المرخصة وقد وصل عددها إلى أكثر من ثلاثة آلاف بئر وقد تم حفرها في المناطق المحظور الحفر فيها مثل أبو الظهور ومنطقة معرة النعمان أي ضمن ما يسمى حوض طار العلا - العشارنة - الغاب.
3- تراجع الهطولات المطرية السنوية من حيث شدتها وغزارتها حيث إن أغلب الأمطار الهاطلة لا تفيد في تغذية المياه الجوفية بل هي تعود بالفائدة الآنية على المزروعات الشتوية.
4- زيادة المساحات المزروعة بالزراعات التكثيفية والتي تؤدي إلى استنزاف كميات كبيرة من المياه الجوفية وهذه هي باعتقادنا أهم الأسباب التي أدت إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية في مناطق محافظة إدلب وبالأخص سراقب ومحيطها.
وسألنا الجيولوجي عبد الله بركات عن الإجراءات التي يجب اتخاذها من قبل الجهات المعنية للمحافظة على منسوب المياه في الآبار الارتوازية فقال:
يجب أن تتضافر جميع الجهود للمحافظة على الثروة المائية وتتمثل هذه الجهود في المباشرة بإجراء دراسة تفصيلية للأحواض المائية في محافظة إدلب ووضع ضوابط للاستثمار بما يتناسب مع الموازنة المائية لكل حوض من هذه الأحواض وتوعية الفلاحين بالتقيد بعملية الضخ من الآبار بما يتناسب مع مساحاتهم المروية ونوعية محاصيلهم الزراعية وحتى تتم المحافظة على نسبة المياه الجوفية في الآبار الارتوازية المرخصة لا بد من قمع المخالفات في الآبار التي تم تنفيذها في المناطق المحظور الحفر فيها والتي تم حفرها دون ترخيص ونعتقد أنه لا بد من اتخاذ وسائل جذرية لترشيد استخدام مياه الري.
وأثناء حديثنا تدخل أحد المهندسين الزراعيين وقال: أقترح أن يوضع سعر رمزي للمياه المستخدمة في أغراض الري فهي من أندر الموارد المحدودة للتوسع الزراعي وأن يزداد هذا السعر بازدياد الإسراف باستخدامها.