تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد مخاض السنوات العشرين: هل نشهد ولادة الهيئة المساحية السورية?

شؤون محلية
الأربعاء 9/1/2008
المهندس صريح البني

بعد توقف لأكثر من عامين: تجدد الحوار حول التنظيم المساحي. أحيته الاتفاقية المعقودة بين وزارة الاتصالات والتقانة وبين وكالة التعاون الدولي السويدي (SIDA).

أناطت الاتفاقية بالمؤسسة المساحية السويدية (SWEDESURVEY): (دراسة جدوى تنظيم وتطوير إدارة الأراضي في سورية).‏

بدأ الفريق الفني السويدي عمله في أيار 2007 وسيقدم تقريره النهائي في آذار .2008‏‏

دلت مجريات النقاش الذي دار مع الفريق السويدي, منذ اللقاء الموسع بتاريخ 23/5/,2007 وخصوصاً في كانون الأول الماضي, على عمق المشكلات الفنية والإدارية المتراكمة في تنظيمنا المساحي من جهة, وعلى خطورة إضاعة أوقات أخرى, دون إيجاد الحلول العقلانية وسرعة تبنيها وتنفيذها على الأرض, من جهة أخرى.‏‏

ضم التقرير الأولي مواضيع تنظيمية وهندسية, سيعالجها الفريق خلال دراسته:‏‏

الهيكلية المساحية الراهنة, المرجع الجيوديزي, المسح والتسجيل العقاري, المعلومات الطبوغرافية, البيانات الأساسية الأخرى, خدمات المعلومات, التوصيات بشأن المعايير, بناء القدرات, البنية التحتية الوطنية للمعلومات الجغرافية.‏‏

تشارك الفريقان السويدي والسوري الرأي في أن الحلقة المفتاحية هي: تطوير جذري في الهيكلية المساحية, يسمح بتأسيس نظام متكامل لإدارة الأراضي. وهو الموضوع الذي نعكف على بلورته, منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي, بتعثر مشهود, لا يحسدنا عليه أحد.. نذكر أن لجاناً مختصة عديدة شكلت, منذ عام ,1985 لمناقشة الوضع المساحي وإمكانيات تطويره, وعقدت مئات الاجتماعات, على مستويات مختلفة, استغرقت ألوف الساعات, بما في ذلك اجتماعات ترأسها السيد رئيس مجلس الوزراء أو نائبه لشؤون الخدمات (في حينه) أو وزراء معنيون, أو في إطار نقابة المهندسين, ودبجت عشرات المقالات, في الصحافة السورية.. بل إن إعادة تنظيم العمل المساحي السوري هي موضوع لأطروحات دكتوراه, يعدها مهندسون سوريون في جامعات عالمية.‏‏

وبهدف إشراك الوسط الهندسي والحقوقي في التعرف على اتجاهات النقاش الدائر, مع الفريق السويدي, حول هذا الموضوع المركزي الذي يشغل بال الحكومة والمواطنين المختصين, ربما يكون مفيداً إبداء الملاحظات التالية:‏‏

1- تعد تجربة تنظيم إدارة الأراضي في السويد, هندسياً وتقانة وإدارة, واحدة من أنضج التجارب الأوروبية, (تعود بداياتها إلى عام 1628). تتبع المؤسسة المساحية السويدية وزارة البيئة, أسوة بالعديد من الدول الأوروبية الأكثر تقدماً, بهدف جعل العامل البيئي هو المحدد الرئيس لاستخدامات الأراضي.‏‏

عمل الفريق السويدي, الحامل لهذه التجربة, بمنهجية متقدمة, مشركاً الجانب السوري في مناقشة جوانب رؤيته ومقترحاته, بمثابرة وصبر وقبول الاختلاف, مستحقاً تقدير الجانب السوري.‏‏

2- لاحظ الفريق السويدي جدية وجهات النظر التي أبداها المهندسون والقانونيون السوريون خلال المناقشات التي استمرت, في بعض الليالي, إلى ما بعد منتصفها. عرضنا, منذ الاجتماع الأول, رغبتنا في أن يبني الفريق السويدي دراسته, آخذاً بالحسبان المرحلة التي وصلت لها مناقشاتنا الداخلية. أردنا الاستفادة من الخبرة السويدية في سياق (حلحلة) نقاط الاختلاف (بين الفنيين والقانونيين السوريين) حول الهيكلية المساحية الملائمة لظروف سورية الراهنة وإمكانات تطويرها, مستقبلاً.‏‏

3- من أجل فهم بيئة النقاش الواسع جداً (بل (الحامي), أحياناً, كما وصفه الدكتور نبيل الأشرف) مع الفريق السويدي, لابد من مراجعة (تاريخية) موجزة لخلفيات هذا النقاش, فأغلبنا لم يشارك في هذه الحوارات, بوصفه مستمعاً لمشكلات يجهلها.. كنا, في واقع الحال, نناقش ليس آراء ومقترحات الخبراء السويديين, فحسب.. بل نجدد حواراتنا المحلية المتواصلة, منذ ربع قرن:‏‏

3-1- فقد تابعت رئاسة مجلس الوزراء في عام 2003 عمل اللجنة التي ترأسها السيد نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الخدمات والتي خلصت, بعد عدد كبير من الاجتماعات, إلى اقتراح مسودة مرسوم بإحداث هيئة مساحية, تكون نواتها: المديرية العامة للمصالح العقارية, وتجمع جميع الجهات المساحية المدنية, تحت مظلة الهيئة.‏‏

استند المقترح إلى حقيقة كون المخطط المساحي العقاري: صلب الأعمال المساحية اللاحقة. وإذ تميزت سورية ولبنان بنظامهما العقاري المؤسس عام ,1926 فإن عمل الجهات العقارية لم يواكب الحاجات الجديدة من المخطط المساحي, والتغيرات الجوهرية, التقنية والهندسية والقانونية, التي أعادت صياغة محتوى ومكونات وآفاق العمل المساحي, (أبعد من شؤون تثبيت الملكية), بل أصبحت دوائرنا العقارية, ومنذ الستينيات, في حالة سكون ومن ثم: تراجع, تشد معها, إلى الخلف, باقي جوانب العمل المساحي, المتكاملة معها. هذه الحالة, أعاقت وتعوق, موضوعياً, وضع أنظمة متطورة لإدارة الأراضي.‏‏

واجهت البنية الإدارية والقانونية للمديرية العامة للمصالح العقارية: ضرورات التحديث العميق والشامل بمناعة موصوفة, تجسدت بمقولات مثل:‏‏

- ليس بالإمكان وضع قوانين أفضل من (قرارات) عام .1926 (ينبغي الاعتراف بأن هذه القرارات أسست نظاماً عقارياً, أدى وظيفته, على نحو جيد, لعشرات السنين, ولكنه تقادم بفعل ازدياد معارفنا وتطلباتنا. بل جاء في حينه, أكثر تطوراً, مما كان قائماً في فرنسا, تلك الأيام, لأنه اعتمد المخطط المساحي كوثيقة أساسية في تثبيت الملكية).‏‏

- المخطط العقاري لا يعكس بالضرورة صورة الواقع على الأرض!‏‏

- دقة أعمالنا تكفينا, من يحتاج إلى أفضل منها, فليضع شبكاته ومخططاته الخاصة..!‏‏

- أي تغيير في القواعد الاستنادية سيتبعه تغيير في حدود ومساحات ملكية المواطنين, ما سيؤدي إلى (بلبلة اجتماعية)?!‏‏

تمحورت الرؤية الجوهرية في مسودة المرسوم (الذين وقفت وراءه, على نحو رئيسي: نقابة المهندسين) على إعادة تأهيل المديرية العقارية لتلبي احتياجات أنظمة إدارة الأراضي ومشاريع التنمية والخدمات.‏‏

ربما يفيد التمعن في حقيقة أن أغلبية الدول الأوروبية أسست أنظمتها العقارية المساحية في قرون غابرة, بل أن بعضها ما زال مضطراً أن يعالج, اليوم, مشاكل تلك المخططات التي وضعت قبل تبني منظومة القياس المترية! ولكن أحداً من تلك الدول, لم يقدم على (دفن) مؤسسته المعنية بالعمل المساحي العقاري.. وهل يستطيع عاقل فعل ذلك?‏‏

3-2- تبنى مجلس الوزراء في عام 2005 مسودة مرسوم بإحداث هيئة مساحية, تتبع وزارة الاتصالات والتقانة, ذات طابع استشاري وتوجيهي, دون أن تكون نواتها المديرية العامة للمصالح العقارية. بنيت الفكرة الأساسية لهذا المقترح على (نعي) المديرية المذكورة, العاجزة عن استعادة الروح, من جديد, متخطية عوامل ترهلها وعجزها الراهنين, من داخلها, بتطوير آليات عملها التشريعية والهندسية وتأهيل كوادر فنية وإدارية كفوءة.‏‏

وجد مختصون عديدون أن توجهاً كهذا سيؤدي إلى إحداث جهة مساحية, تضاف إلى الجهات الأربع, الأساسية, القائمة, محملة الوضع المساحي عبئاً ثقيلاً بتشكيل هيئة (أكاديمية), توجه, عن بعد, ومن خلال وزارة أخرى, عمل المؤسسة العقارية وباقي المؤسسات, التابعة لوزارة أخرى.‏‏

نعترف اليوم, بأننا وضعنا أيدينا على قلوبنا, خلال الفترة الماضية.. وفضلنا الصمت, أكثر من عامين, خشية إحياء مسودة المرسوم المذكور, ودفعه للصدور.‏‏

اليوم علينا شكر الحكومة لأنها: لم تفعل!‏‏

3-3- ضمت الدراسة المعمقة التي وضعتها بعثة المفوضية الأوروبية, ضمن برنامج (تحديث الإدارة البلدية في سورية) عام ,2005 (لصالح وزارة الإدارة المحلية والبيئة) بنوداً عديدة عن علاقة هذا التحديث بتطوير النظام العقاري السوري وأشارت الدراسة, بالتفصيل, إلى نقاط الضعف في هذا النظام, بجوانبه القانونية والهندسية. واقترحت تحديث التشريع العقاري وإلغاء ازدواجية تنفيذ الأعمال المساحية ورفع دقة المخطط العقاري ليلبي الاحتياجات الراهنة (على سبيل المثال: من قبل مستخدمي أنظمة المعلومات الجغرافية).‏‏

3-4- صاغت وزارة الزراعة, عام ,2006 مسودة مرسوم آخر بإحداث هيئة ذات (طابع علمي تقني بحثي), مقترحة ربطها برئاسة مجلس الوزراء, دون إشارة محددة إلى المديرية العامة للمصالح العقارية. وربما تكون وزارة الزراعة, الآن, بصدد تقويم جديد للمديرية, بعد أن وصفت الحالة فيها بأنها (سيئة جداً). دون أن تساعدنا في إدراك وتحديد مسؤولية هذه الحالة (السيئة جداً) لمديرية تتبعها, مباشرة, منذ أربعة عقود!‏‏

4- اقترح الفريق السويدي إنشاء وزارة جديدة (عاد وسماها: جسماً سياسياً ما) لإدارة الأراضي في سورية, تتبعها المؤسسة العامة للمساحة والمديرية العامة للمصالح العقارية والهيئة العامة للاستشعار عن بعد.‏‏

لابد من فهم خلفية هذا المقترح المستوحى من التجربة السويدية المتميزة: فالمؤسسة المساحية, عندهم, تقود جميع أعمال إدارة الأراضي.‏‏

في مناقشاتنا لهذا المقترح ذكرنا الفريق السويدي بما يلي:‏‏

أ- صعوبة إحداث وزارة جديدة لإدارة الأراضي في سورية. فمفهوم إدارة الأراضي ما زال عندنا قيد التشكل: ماذا سيكون رأي وزارة الزراعة والمالية والري والعدل والإدارة المحلية والبيئة و..?‏‏

نحن ممن يعتقدون أن النظام الإداري الناجح يستند إلى مؤسسات قوية, ولا يحدث مزيداً من الوزارات المرهقة والمربكة للهيكل الإداري الحكومي.‏‏

الحقيقة أننا لم نعثر على وزارة شبيهة في أي من البلدان الأوروبية المنضمة إلى منظمة (الجيوغرافيكيون الأوروبيون) التي تنسق عمل المؤسسات المساحية الحكومية, وتشرف على توحيد الشبكات الجيوديزية وأنظمة إدارة الأراضي في بلدان الاتحاد الأوروبي.‏‏

ب- تعذر دمج القطاعين المساحيين المدني والعسكري. استشهدنا بنماذج تنظيمية لدول أوروبية شبيهة بما هو قائم لدينا (مثلاً في كل من: إيطاليا, هولندة, بلجيكا, اليونان, تركيا, وأغلب دول أوروبا الشرقية..), وفيها تعد جهة مساحية حكومية (قد تكون عسكرية): المخططات ذات المقاييس الصغيرة والمتوسطة, بينما تنفذ الأعمال المساحية العقارية وما يتعلق بالمخططات ذات المقاييس الكبيرة: جهة مساحية حكومية, مدنية.‏‏

ج- بعد أن أنتجت جهاتنا العامة مخططاتها ذات المقاييس الكبيرة (وزارة الكهرباء, مؤسسات المياه والصرف الصحي, وزارة الإدارة المحلية والبيئة, المديرية العامة للمصالح العقارية..) فإن الازدواجية الأساسية الماثلة, الآن, هي بين وزارة الإدارة المحلية والبيئة, بما تنتجه وتحدثه, على نحو دوري, من مخططات طبوغرافية لأغراض تنظيم المدن والبلدات والقرى.. وبين المديرية العامة للمصالح العقارية, التي تتابع إنتاج مخططات مساحية عقارية (أغراض تثبيت الملكية) لقد أكد على أن هذين المخططين يشتركان في أجزاء كبيرة من قواعدهما وتفاصيلهما, بل عليهما التطابق, في طريقة الإعداد والدقة, ليكونا قاعدة أنظمة المعلومات الجغرافية.‏‏

د- اقترحت لجنة التنظيم الإداري في اللقاء الموسع الأخير الذي نظمه الفريق السويدي (يوم: 6/12/2007): أن يعاد إحياء مسودة المرسوم الموضوعة عام 2003 والقاضية بجعل المديرية العامة للمصالح العقارية نواة للهيئة المساحية السورية, على أن تتبع الهيئة الجديدة: وزارة الإدارة المحلية والبيئة. الجهة الأخيرة هي المعنية بوضع مخططات تنظيم المدن والتخطيط الاقليمي وأنظمة تطوير الإدارة البلدية, إلى جانب مسؤولياتها عن البيئة السورية. وستنضج هذه الأنظمة, عندما تتكامل, على نحو أكيد ومضمون, مع جهود المديرية العامة المسؤولة عن التوثيق المساحي لملكيات المواطنين وملكيات الدولة, ومن هنا صواب التوجه لضمها (أي الهيئة المنشودة), إلى الجهة التي ربما تغدو: وزارة البيئة والمجالس المحلية وإدارة الأراضي.‏‏

لعلكم سمعتم المثل القائل: إذا كنت لا تعرف أين تمضي, فإنك ستصل إلى (هناك) حتماً!‏‏

ولأننا لا نطمح بالوصول إلى (هناك) (مع أن بعضنا يعتقد أننا نسترخي, هناك, فعلاً, ومنذ زمن..), فإننا سنبقى, في نقابة المهندسين, نحتضن النشاطات المسؤولة المتعلقة بتطوير الهندسة السورية (أكد ذلك, مجدداً, فرع دمشق, بكرم مشهود, راعياً أغلب جلسات الحوار مع الفريق السويدي), مقترحين, على حكومتنا, المسارات المؤدية إلى أنظمة وقوانين (هندسية) متطورة وراشدة, تستفيد, إلى أقصى الحدود, من التجارب العالمية, بيد أنها تتعلم, أساساً, من إخفاقات ونجاحات تجربتنا الوطنية.‏‏

تعليقات الزوار

مجد |  Majd_alarabi@yahoo.com | 09/01/2008 10:30

لهذه المقالة دلالات كثيرة نذكر منها لاعلى سبيل الحصر: 1- يسعى الكثير من المسؤوليين إلى إظهار انه ليس لدينا الخبرات المحلية الكافية ويكشفون كل شيء أمام الأجانب. 2- مؤسسة المساحة و دائرة العقارات غير جديرتين بالاعتماد عليهما وليس لديهما الخبرات الكافية و مدراؤهم كما نعرف ضباط او حقوقيون أي لاعلاقة لهم لابالمساحة و لا بالمعلوماتية و لا... 3- الخبرات السورية تبني دول الخليج و فرنسا و أمريكا وكندا وماليزيا ....و نحن نطفش كل خبير.. 4- ما فائدة نقابة المهندسين غير تعويض الوفاة ... منذ متى لم يتم تغيير إدارييها فعلياً. أعطوا الخباز خبزه ...

حريص |    | 10/01/2008 19:58

لعل أهم ما يمكن أن يدفع نحو تبني مثل هذه مقترحات أن نتفهم مدى العلاقة العضوية بين تطوير الواقع المساحي وبين تهيئة المناخ الاستثماري في سورية الذي تسعى إليه الحكومة بشكل حثيث، وأن مثل هذه المقترحات التطويرية لا تعطي مردود مادي قريب المدى وإنما تؤسس أرضية جاذبة للاستثمارات والعلاقات العقارية السليمة على المدى المتوسط والطويل، وأن أي مستثمر قادم إلى سورية يحاول البحث ضمن شبكة الإنترنيت عن موقع متخصص في إدارة الأراضي في سورية، وعن البيئة القانونية العقارية التي سوف يعمل في ظلها، وأول ما يلمسه مثلاً تعدد طرق تسجيل الملكية، وعدم وجود خرائط تظهر البيانات العقارية، وطريقة معرفة الاستثمارات المسموحة عليها، ناهيك عن كثير من المسائل ذات العلاقة بالمساحة والموقع والحقوق، نرجو أن توفق الجهات المعنية بإيجاد الصيغ الإدارية والقانونية والفنية التقنية لحل مثل هذه الإشكاليات في القريب العاجل.....

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية