الأمر الذي ارتدّ وبالاً على منطقة الأحادية الذي حاولت الإدارة الأميركية ترسيخه, وعلى سياسة الحروب الاستباقية أو الوقائية. وقد تجسد ذلك المأزق في العراق وأفغانستان, ومن ثم في العجز عن توجيه ضربة عسكرية لإيران رغم التهديدات المتواصلة بذلك.
هذه أحد الاستنتاجات الموجزة لكتاب »مأزق الامبراطورية الأميركية« للباحث ( فنسان الغريّب ) - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت و ذلك انطلاقاً من أن الولايات المتحدة تعاني مشكلة اقتصادية منذ سنوات, وعجزاً في الميزان التجاري, وبالطبع فإن هذا العجز الاقتصادي شكل حاجزاً أو تحدّياً للحلم الأميركي في إنشاء امبراطورية تمتد مساحتها إلى كافة أرجاء العالم, وبمعنى آخر, فإنّ محاولات واشنطن اعتماد سياسة خارجية توسعية لتجاوز مأزقها الاقتصادي هذا لم تثمر, من جهة أخرى, فإن حدوث أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة لم يؤدِ إلى انكفائها على ذاتها, بل أدّى إلى بروز هيمنتها بشكل أكمل وأوضح وأوسع وبشع أو أقل رحمة مما برزت في فترات نموها الاقتصادي.
وما يجدر ذكره أن سياسة التدخلات العسكرية عبر العالم لم تقتصر على الحزب الجمهوري وحده, بل اشترك فيها الحزبان الرئيسيان على حدّ سواء الجمهوري والديمقراطي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: هل ستتوقف الولايات المتحدة عن سياسة التدخلات العسكرية بعد غرقها في مستنقعي العراق وأفغانستان? حسب باحثين أميركيين, من غير المرجح أن يحدث تغير في هذا المجال, حيث درجت الإدارات الأميركية على استخدام القوة باسم المبادئ والمصالح طوال تاريخها, كذلك فإن الحفاظ على تأمين دعم واسع للتدخلات الخارجية يتطلب تحقيق إجماع داخلي على مسألة مشروعية هذه التدخلات, وهذا أمرٌ صعبٌ حسب رأي الباحثين الأميركيين, وأكبر مثال على ذلك » الحرب على العراق, إذ اتضح للشعب الأميركي أن هذه الحرب لم تكن دفاعاً عن النفس كما حاولت إدارة /بوش/ تصويرها. ولم تحظَ بموافقة دولية اجماعية, ولاحتى بموافقة مجلس الأمن الدولي. كذلك اصطدم مشروع الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والسيطرة على ثرواتها وإخضاع الأنظمة الرافضة للسياسة الأميركية, اصطدم بمعارضة وممانعة من جانب قوى أخرى تسعى لإعادة بناء نفسها أو الدفاع عن مصالحها الحيوية ومصالح شعوبها وأوطانها.
في ضوء ماتقدم, هناك سؤال هام وهو: ما أولويات الرئيس الأميركي المقبل? البعض يرى أن إصلاح أخطاء إدارة الرئيس »بوش« يحتاج إلى سياسات جديدة تقوم على رفض فكرة إعادة تشكيل العالم ديمقراطياً على الطريقة الأميركية حسب ماجرى في العراق وأفغانستان, ونزع طابع العسكرة عن السياسة الخارجية الأميركية, وإيقاف مايسمى الحرب على الإرهاب, والترويج للتنمية السياسية والاقتصادية في العالم, ومعالجة قضية الانتقال إلى الديمقراطية, والمساهمة في عملية الإصلاح السياسي في العالم العربي, ذلك أن التاريخ سيصدر حكمه على /بوش/لإخفاقه في الحرب على العراق كما في الحرب على الإرهاب.
لقد بات من المؤكد أن الرئيس /بوش/ فيما تبقى له من مدة قصيرة في البيت الأبيض لن يستطيع أن يفعل شيئاً لتعديل المسار الانحداري للولايات المتحدة, وفقدانها بالتدريج موقعها الأحادي, وانكسار مشروعها التوسعي, فهل تأتي إدارة جديدة تعلن سياسات مختلفة تعيد للولايات المتحدة بعض هيبتها والثقة بها, بحيث تلجأ إلى إدارة العالم بشكل أقرب إلى الاعتدال وأقرب إلى القبول بالتعددية والمشاركة في اتخاذ القرارات الدولية المصيرية في العالم بدلاً من الانفراد بذلك?
ويقترح باحثون أميركيون آخرون أن تلجأ الإدارة الأميركية الجديدة إلى حلّ المشكلات الدولية بطريقة تعددية, انطلاقاً من أن فترة »الأحادية القطبية« لم تكن سوى »فترة عابرة« عجزت عن »تأييد الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم, بل انقلبت محاولات الهيمنة إلى أشبه مايكون بالكارثة على العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص بسبب مافيها من أزمات متفجرة وأخرى قابلة للانفجار بالمقابل لوجهة النظر هذه, مازال هناك من الأميركيين المحافظين من يبشّر بمواصلة سياسات إدارة الرئيس »بوش« والمحافظين الجدد, حيث لم يستبعد المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري »جون ماكين« شنّ حروب »استباقية« أخرى ضد من وصفهم بأعداء الولايات المتحدة مستقبلاً!
والسؤال الملح: هل مازالت الولايات المتحدة قادرة على شن مغامرات عسكرية جديدة خارجية بعد حربها على العراق? وهل مازال أصدقاؤها يوافقون على تصرفاتها اللامسؤولة التي تسببت في انتشار الفوضى على صعيد واسع في العالم وخاصة في الشرق الأوسط?
يرى الكثيرون أن القوة الأميركية ليست أبدية, فالولايات المتحدة أصبحت مكشوفة, ومعرّضة للعطب بسبب اعتمادها المفرط على القوة, وممارستها سياسات متعجرفة وتتصف بعدم المبالاة تجاه حالات المعاناة والفقر التي تعيشها قطاعات واسعة من سكان دول العالم, وأن هذه السياسات جعلت موجة الكره للسياسة الأميركية تتسع عاماً بعد عام في مختلف أنحاء العالم, ولم تبق للولايات المتحدة أي مصداقية على الساحة الدولية جرّاء ما ارتكبته من أخطاء وماجلبته للعديد من الدول من كوارث يصعب تخطيها في عشرات السنين.