بعد تزايد التدخلات والضغوط الخارجية خصوصا من قبل العدو الصهيوني الذي سعى جاهدا خلال الفترة السابقة لاستغلال الخلاف بين فتح وحماس,من أجل تنفيذ مخططه الخبيث لتقسيم الشعب الفلسطيني,بل وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية تحت دعاوى واهية ورغم بعض الجهود العربية التي بذلت في سبيل تهدئة الأجواء على الساحة الفلسطينية, إلا أن هذه الجهود كانت تصطدم دائما بالمخطط الأميركي الصهيوني ومن يسيرون معه,لاستمرار هذا الانقسام والشقاق بين الأشقاء الفلسطينيين.. وأصبح السؤال المطروح بقوة الآن:هل تنجح هذه الجهود رغم محدوديتها لرأب الصدع الفلسطيني أم أن الغلبة ستكون لأعداء الأمة في هذه المرحلة, فعشية وصول وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس إلى إسرائىل,ومن ثم إلى الضفة الغربية,أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن مشروع جديد لبناء 1300 مسكن في القدس الشرقية,فالأمر صار خطيرا للغاية,ولابد أن تكون هناك وحدة وطنية حقيقية بين جميع أبناء الشعب الفلسطيني لإفشال هذا المخطط الأميركي الصهيوني الذي تتسارع خطواته بصورة مضطربة خلال الفترة الأخيرة من أجل الإجهاز على القضية الفلسطينية إلى الأبد وهو ما يتطلب ضرورة الخروج باتفاق جدي بين كافة القوى المشاركة في جلساته على هذا الهدف المحوري,وإن كان مجرد الاتفاق على إجراء الحوار,بعد كل هذه التوترات الشديدة التي حدثت مؤخرا أمرا مفيدا في هذه المرحلة,لأن ذلك يعني الإقرار بالتعارضات الموجودة في ألوان الطيف السياسي الفلسطيني حول هذه المسألة أو تلك,وهذا بدوره يفرز حقيقة أساسية وهي:أنه في ضوء المستجدات السياسية في الأشهر الأخيرة قد تأكد للجميع أنه بات من الصعب أن يجري حكم الشعب الفلسطيني ببرنامج حركة فتح,أو برنامج حماس أو رؤية الجبهة الشعبية أو غيرها فقط,ولذلك يصبح مطلوبا الوصول إلى برنامج القواسم المشتركة بين كافة الأطراف.
إضافة إلى أن ظروف الحصار والتجويع والإشكالات الحياتية الأخرى للشعب الفلسطيني والتي تفرض على الجميع:فصائل وقوى أن تلتقي وأن تتوحد,وأن تدخل في ائتلاف,فإذا كانت هذه الفصائل والقوى لا تستطيع التوحد حول البرنامج المشترك في مثل هذه الظروف القاسية فمتى تستطيع إذا?فهل وعت حركتا فتح وحماس المنزلق الخطر الذي تنزلق إليه القضية الوطنية وهل ستغلبان صوت العقل والحكمة والمصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة?لأن هذه الأطراف الخارجية ستغلب في النهاية مصالحها الوطنية على أي علاقة مع القوى الفلسطينية!.
إذا الحل الوحيد يتمثل في وحدة وطنية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية ,هذه المنظمة المغيبة تماما منذ أكثر من عشرين عاما,رغم أن الاجتماعات التي تمت في القاهرة أكثر من مرة كان على رأس قراراتها وتوصياتها ضرورة العمل على تفعيل مؤسسات المنظمة لتكون الشرعية لكل الفلسطينيين تحت أي مسمى.
إن المرحلة الحالية تحتاج إلى ما هو أكثر من الحوار حول الخلافات بين فتح وحماس فهي تحتاج إلى حوار وطني جامع على طاولة إقليمية, وبإشراف إقليمي من أجل الوصول إلى توافق حول ميثاق وطني فلسطيني جديد,فالأزمة الأخيرة عكست أمرا بالغ الخطورة وهو غياب المرجعية الميثاقية التي يمكن الاحتكام إليها ضمن الحد الأدنى,حيث حدث انتهاك كبير جدا للقانون الأساسي ووجدنا كل طرف يفسر هذا القانون على مزاجه الخاص,لذلك هناك حاجة ماسة لدخول بقية أبناء فلسطين في الداخل والخارج في العملية السياسية الفلسطينية,وهناكضرورة ملحة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل على قواعد جديدة وطنية توحيدية,والتوقف عن سياسة »المحاصصة الانقسامية« المدمرة بين فتح وحماس فقد أثبتت التجربة العملية أن »اتفاق المحاصصة« بين فتح وحماس لم ينجح لوضع نهاية للاقتتال على النفوذ والسلطة,لأن الحلول الجزئية القائمة على تقاسم مؤسسات السلطة الفلسطينية بينهما أدت إلى تعميق الانقسامات واحتدام الاقتتال ويبدو أنه مرشح للتكرار إذا لم تحسم هذه الخلافات من جذورها,ما يتطلب ضرورة الحوار الوطني الشامل لجميع القوى والفصائل بلا استثناء,حتى يتم وضع برنامج عمل مشترك وموحد لإعادة إعمار وبناء الوحدة الوطنية وهذا يتطلب شراكة سياسية وطنية شاملة لكل مكونات المجتمع الفلسطيني ويستدعي وضع قوانين انتخابية تقوم على التمثيل النسبي الكامل داخل البلاد,وتشمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية للسلطة الفلسطينية والاتحادات والنقابات والمنظمات المهنية والاجتماعية,بل يتطلب أيضا ضرورة توحيد الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة.
كاتب وصحفي مصري