إنني إذ أشارك الناس تخوفهم,إلا أنني لا أستغرب ما يجري في الأسواق من ارتفاع أسعار مبرر وغير مبرر وفوضى منظمة وغير منظمة,فهذه هي تداعيات طبيعية لهذا النهج الاقتصادي الذي يندرج في سياق العولمة وملحقاتها,هذا النهج الذي أستطيع أن أؤكد - وهذه وجهة نظر - أنه لن يوصلنا الى الأهداف المرجوة والأحلام المنشودة...?!
وهذا ما يستوجب الاسراع بوضع واقرار مفهوم واضح ومحدد لاقتصاد السوق الاجتماعي الذي نريد.
أعود الى السوق لأقول ان الجهة المعنية بمراقبة وضبط الأسعار والأسواق لم- ولن- تتمكن من ذلك لأسباب متعددة أهمها طغيان الفساد والرشاوي وعدم القدرة أو الرغبة في ملاحقة من يجب ملاحقتهم...?
فهل يعقل أن تكرس أجهزة الرقابة وحماية المستهلك معظم وقتها في ملاحقة بائعي المفرق والمحلات الصغيرة وتترك المستوردين وتجار الجملة الذين يحققون أرباحاً خيالية ويتلاعبون بقيم المستوردات والفواتير التي يقدمونها الى الجمارك من جهة وأجهزة الرقابة من جهة أخرى,والنتيجة أن الدولة تخسر الرسوم الحقيقة التي يجب تحصيلها والمواطن يدفع الأسعار التي يحددها بالأساس المستورد وتاجر الجملة.
إن تحرير الاستيراد بشكل كامل هو بالتأكيد مؤذ للصناعة الوطنية التي وصلت الى وضع حرج,يجب أن يتم في مقابل وضع آليات وضوابط صارمة للتسعير بما يضمن تحصيل الرسوم الجمركية المتوجبة فعلاً وحماية المواطنين من جشع هؤلاء المستوردين والتجار وتلاعبهم بالأسعار بحجج واردة وغير واردة فارتفاع سعر اليورو والأسعار العالمية باتت »مسبحة الشيطان« التي نسمعها عند كل زيادة وفي كل أزمة.
ومؤخراً لوحظ ارتفاع أسعار الحديد والاسمنت بشكل كبير جداً سيؤثر تأثيراً كبيراً وسلباً في أسعار العقارات وارتفاع تكاليف بيوت السكن التي باتت بالنسبة لذوي الدخل المحدود حلماً لا يمكن تحقيقه,فهل من تدقيق في ذلك?
إننا نريد النهج الاقتصادي الذي يحمي الوطن والمواطن,ويقنيا الآثار السلبية للعولمة التي لا أرى ايجابيات لها على الأقل في المجال الاقتصادي,إننا نريد حماية اقتصادنا الزراعي والصناعي,فالزراعة هي التي تحقق الأمن الغذائي,والصناعة هي التي تؤمن فرص العمل للمواطنين واستثمار الثروات الطبيعية للبلاد وتدعم الزراعة من خلال تطوير الصناعات الغذائىة.
وفي هذا الاطار يجب التركيز على صناعة السياحة التي يمكن أن تؤمن موارد ضخمة ودائمة ترفد موازنة الدولة وتسد النقص المتزايد في موارد النفط.
أخلص الى القول ان مسائل الأسواق والأسعار صعبة ومعقدة بطبيعتها وخاصة في العصر الراهن حيث تفرض الدول الغنية الكبرى قوانينها وشروطها باسم العولمة بهدف السيطرة على الدول الفقيرة والنامية واستغلال ثرواتها ومواردها بما يخدم مصالحها,وهذا يتطلب التبصر والتروي في السلوك الذي ننتهجه وعدم الانبهار والانخداع في الصور التي تعرض علينا بألوان زاهية وهي في حقيقتها ألوان زائلة..
أختم بالقول: إن أسواقنا لا تستوعب هذا الكم الكبير من البضائع المستوردة,وإن معالجة الإغراق وفق أحكام القانون الخاص به لن تنجح في حماية الصناعة الوطنية,وعلينا أن ندرك أن السلع المستوردة التي تعرض بأسعار رخيصة هي بالنتيجة غالية الثمن نظراً لعمرها القصير ومواصفاتها المتدنية ومثال ذلك الباصات التي تم استيرادها مؤخراً..!?