ليلاحظ أن العمل التونسي خلال العقود الثلاثة الماضية كان على الأسرة نفسها كطرف أساسي في تحديد خياراتها الانجابية، وفي قلب الأسرة التركيز على المرأة من خلال بيئة تشريعية داعمة تنفذ عن طريق سلسلة سياساتتقوم بها مؤسسات مكلفة بالتنفيذ والمتابعة من قبل الدولة التونسية، أي أن عملا تراكميا تم ولم يزل، لأن تلك التراكمية وعن طريق المتابعة كانت تقود العمل الى شرائح جديدة وهم فئة اليافعين والشباب لتتشكل عندهم حساسية تجاه قضايا السكان وهي الصحة الانجابية.. التعليم..الهجرة الداخلية.
أيضا لن يعدم المتتبع في اعلامنا وخاصة في السنوات الأخيرة عن أخبار وتقارير حول مركزية المسألة السكانية ودفعها الى الأمام لتصبح اولوية عند حكومتنا، ويكاد لاتمر فترة زمنية طويلة حتى تصدر تقارير عن حالة سكان سورية، وكان آخرها التقرير الذي أصدرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة والتي يعتبر احداثها جزءاً من العمل لصالح القضية، الا أن النتائج التي وصلت اليها تونس وهي أن مؤشرات التنمية البشرية دون استثناء سجلت تحسنا ملحوظا في تونس من التحول الديموغرافي بما يترتب عنها من انعكاسات على مختلف المجالات الحيوية بما في ذلك التعليم والتوظيف والضمان الاجتماعي حيث شهدت السنوات الاخيرة تحولا للوضعية الديمغرافية نتج عنه انخفاض في نسبة الخصوبة إلى طفلين لكل امرأة عام 2002 وتراجعت نسبة الوفيات الخام إلى 8ر5 في المئة كما تراجعت نسبة النمو الطبيعي من 7و1 في المئة عام 1994 إلى 087و1 عام 2002 وتضاعف سكان تونس خلال 30 سنة من 1966 إلى 1996 الا ان التحكم في النمو الديمغرافي لن يسمح بتضاعف عدد السكان مرة اخرى إلا بعد 65 عاما بحسب النمو الطبيعي عام 2002 .
وكل تلك الأرقام كانت رئيسة الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في تونس الدكتورة نبيهة قدانة قد عرضتها بالاضافة الى أن متوسط سن الزواج هو من أهم محددات انخفاض الخصوبة حيث بلغ متوسط عمر الرجل عند الزواج الأول 33 سنة مقابل 29 عند الإناث كما انخفضت نسبة التسرب من المدرسة بفضل تطوير البرامج والمناهج التعليمية وتحسين البنية التحتية حيث فاقت نسبة الاناث نسبة الذكور في بعض المراحل من التعليم الثانوي والجامعي حيث بلغت 53 في المئة وفي المراكز المهنية بلغت 5و33 عام 1999 مقابل 27 في المئة عام 1996 .
وكانت أشارت إلى ان تونس وضعت استراتيجيات بعيدة المدى آخرها يمتد من 1999 إلى 2029 واعتمدت خطط عمل خمسية لتنفيذها تضمنت مجالات اساسية كالنمو السكاني والعمل على استقرار معدل النمو الطبيعي للسكان في حدود 1 في المئة واستقرار معدل الخصوبة الكلية في حدود طفلين اثنين عام 2029 بعد انخفاضه بـ 6و0 نقطة خلال الفترة 1999 - 2016 وتطور توقع الحياة عند الولادة إلى 5و75 عاما في العام 2014 و77 عاما في 2029 إضافة إلى تشميل الاستراتيجية لموضوع الهجرة الداخلية التي تتضمن الحد من حركة الهجرة من الريف إلى المدن والإبقاء على هجرة الأيدي العاملة المؤقتة او الموسمية وتشجيعها أحيانا باعتبارها من أنماط الهجرة التي تضمن عودة المهاجرين إلى مناطقهم الأصلية وتوفر عائدات مالية للمناطق التي تدفع بمثل هذه اليد العاملة بمقدار 50 في المئة وارساء خطة وطنية للوقاية من سرطان الثدي وعنق الرحم والاهتمام بصحة الشباب والمراهقين من خلال تحسين الخدمات الاساسية لهم وتدعيم البحث في مجال صحة الشباب وتدعيم الشراكة مع جميع القطاعات وتعزيز مشاركة الشباب في السياسة الصحية المتعلقة بهم، عن طريق مراكز مشورة في جميع المحافظات ودعم اعلامي بواسطة فريق مدرب ومركز أبحاث يرصد الظواهر وتفرعاتها وارتباطاتها.
وهنا نسأل ماالذي فعلته تونس ولم نقم به؟ بالنسبة لنا تبدو الارادة السياسية أقوى من الرغبة للحد من الزيادة السكانية الكبيرة (عداد الولادات.. النمو الديمغرافي العالي جداً وكان واضحا من الأطراف التي حضرت الاجتماعات أن ثمة عدداً كبيراً من المؤسسات والجهات العاملة المتداخلة للمعالجة أي أننا نملك القدرة القوية لمعالجة الموضوع، وربما يكون ذلك عن طريق توحيد الصلاحيات كما في تونس، وتخصيص ميزانية لمعالجة المسألة السكانية، وتقديم مجموعة من الحوافز، ففي تونس تقدم حوافز لمن ينجب ثلاثة أطفال تسمى (منحة عائلية) في حال الالتزام. اما من يحب أن ينجب أكثر فالمنحة ستخصص لثلاثة أطفال فقط.
أما بالنسبة للتوعية أو كما قال الدكتور أكرم القش عضو مجلس الادارة في الهيئة السورية لشؤون الأسرة لابد من جعل القضية قضية الناس أي جعل المجتمع إن صح التعبيرهو صاحب المشكلة ليبادر للمساهمة في الحل
ويأتي ذلك بواسطة فريق اعلامي مدرب ويملك حساسية تجاه الموضوع وهذا ما فعلته تونس أي تعاون اعلامي مع ديوان الأسرة كان بشراكة قانونية مستمرة عبر عقود عمل خاصة ومنح خاصة لخدمة البرامج المنفذة ولنشر ثقافة سكانية بطريقة علمية ومنهجية.. قرابة مئة إعلامي في كل وسائل الاعلام وأنواعها، بالاضافة الى لقاء شهري نقوم خلاله بتوفير المعلومات إلى جانب التدريب طبعاً. والى جانب ذلك كانت تونس تعتمد على الوفاق ومساهمة رجال الدين في توعية المواطنين عبر العظات والمساجد في أنحاء الجمهورية لإيصال هذه الرسالة وإفهام القيم الدينية التي وافقت المقترحات السياسية.
كما عمل التونسيون في المدارس ولم يعد دور المعلمين يقتصر على المواضيع العلمية والعلوم الحياتية والتهرب من التجاوب مع الشباب في مسائل حساسة وشخصية. حيث أضيف اليه التوعية حول الأمور الصحية والجنسية وأجريت الحوارات العامة في المدارس بالاضافة الى المراكز الشبابية وخدماتها وكل من لديه مشكلة يأتي ويعالج بطريقة سرية ومجانية.
يبدو واضحا أن الهيئة السورية لشؤون الأسرة هي الجهة التي يلتقي عندها الجميع في هذا الملف المهم لذا لابد أن تمتلك الصلاحيات وتوحد الجهود، وتضع برامج متابعة لآليات العمل التنفيذية، وكما قلنا سابقا الارادة السياسية حاضرة للدعم، وتبقى المثابرة والعمل الدؤوب كي لاتبتلع الزيادة السكانية مانحققه من تنمية.