تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جاك دريدا.. بعيـــداً عـــن البنيويـــة والتفكيكيــة

عن لوموند
ثقافة
الأربعاء 3-11-2010م
ترجمة: دلال ابراهيم

من كاتب ومفكر بحجم ومكانة جاك دريدا , حيث مؤلفاته البالغ عددها حوالي الستين عملاً قد تم دراستها وترجمتها إلى لغات العالم أجمع ,

هذا دون الندوات التي كان يشارك بها غير المنشورة اختار الكاتب بينوا بيترز لكتابه موضوعاً آخر بعيداً عن مقاربة فكر وفحوى هذه الكتب , وإنما حياة مؤلفها الشخصية , طفولته وعائلته وعلاقته مع المرأة وصداقاته وهمومه وأذواقه الأدبية , تعليمه وخطه السياسي . أي باختصار , قام بتأليف سيرة ذاتية لدريدا حسب التقاليد المتعارف عليها في السرد الذاتي الأنكلو ساكسوني . لاسيما وأنه أول شخص استطاع الدخول إلى أرشيف الفيلسوف الموجود في معهد ذاكرة النشر المعاصر وفي مكتبة لانغسون في جامعة ايرفين في كاليفورنيا , وقابل المئات من الشهود المهمين .‏

في مؤلفه قام بيترز ببناء مراحل حياة المفكر حسب المسافات الفاصلة بينها التي قادت دريدا اليهودي العلماني المولود في تلال البيار في الجزائر عام 1930 إلى باريس عام 1942 بعد فصله من مدارسها من قبل نظام فيشي على خلفية قوانين معاداة السامية , وفي باريس واصل دراسته في معهد إعداد المدرسين العليا . وفي عام 1966 وبعد تقديمه لكتاب الفيلسوف هوسلر شارك دريدا في ندوة حول البنيوية نظمتها جامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة إلى جانب رولاند بارتس وجان بيير فيرمان وجان هيبولايت ورينيه جيرارد وجاك لاكان . الفترة التي شهدت ازدهار العلاقات الثقافية الفرنسية- الأميركية . وبعد مرور عام التقى بول دي مان المفكر الحداثاوي في النقد الأدبي الذي فتح له أبواب الجامعات الأميركية , ومع نشر كتابه (الغراماتولوجية) وكتاب (الكتابة والاختلاف) اللذين حظيا بنجاح كبير أصبح دريدا معاصراً لألمع جيلين من المفكرين الذين واصل التحاور معهم ومنهم ايمانويل لوفيناس , موريس بلانشو , جان جينيه , ميشيل فوكو , بيير بورديو , لويس التوسر , جيل دولوز وجان فرانسوا ليوتار .‏

وعلى مر السنين , كثف دريدا من عمله في البحث والتعليم والنشر . وأسس عام 1983 إلى جانب آخرين المعهد الدولي للفلسفة , ومن ثم دمج مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية . وبقدر ما طبقت شهرته الآفاق وصبت لدى الرأي العام الفرنسي , تعرض منذ عام 1986إلى انتقادات قاسية من جانب الماركسيين والبنيويين وبعض ممن دعوهم خطأً (فكر 68) إلى حد أن وسائل الإعلام صورته في صورة مغايرة لحقيقته . وبات مرفوضاً مما حال بينه وبين انتخابه عضواً في كوليج دو فرانس .‏

اشتهر دريدا بأنه كان من أنصار التيار الاجتماعي الديمقراطي ومناهضاً للاستعمار ومناصراً للمرأة ومعادياً لحكم الإعدام ووريث عصر التنوير ومتمسكاً بالجمهورية ومعجباً بالزعيم ديغول ونيلسون مانديلا . ومع ذلك , وخلال عامي 1987-1988وصفوه بأنه عدمي ومعادي للديمقراطية ونصير للمفكرين النازيين كارل شميت ومارتن هايدغر , الذين قام بشرح وتفسيرمؤلفاتهما , ومن ثم اتهموه باليساري المتطرف بعد نشر كتابه (أطياف ماركس ) عام 1993 , المكرس حول مفهوم الثورة . وحتى اتهموه بالنازية بسبب دفاعه عن صديقه بول دومان المتهم بتعاونه المكتشف فيما بعد وفاته مع صحيفة بلجيكية متهمة بمعاداة السامية . كل تلك الحماقات أبرزها بيترز في كتابه والذي بالإضافة إلى ذلك كشف عن الأوجه المتعددة لهذا الفيلسوف المتقد ذهناً الذي لم تكن تهدأ حركته رغم خشيته من السفر جواً والمتطلع إلى سبر طرق جديدة في الفلسفة التي كان يريد لها اختراق جميع الحدود . وضمن هذا الإطار أولى دريدا اهتماماً بكافة الاختصاصات سواء أكان في الأدب أو القانون أو التحليل النفسي , ولكل الحالات الاجتماعية , منها المهمشون والمثلي الجنس والأقليات , كما وخاض كفاح ضد التمييز العنصري . لقد أثار دريدا زوبعة استنكار , ليس بسبب تعصبه وإنما لأنه ظل مترصداً , بشكل منطقي لكل ما يمكن أن يحدث ومن هنا يأتي معنى المصطلحين اللذين عممهما في مذهبه وهما : « التفكيكية» وهي عملية تهدف إلى فك نظام فكروي مهيمن ومقاومة استبداد الواحد للتقدم نحو مستقبل أفضل بالإخلاص وغير الإخلاص للإرث , وكذلك ما دعاه « التباين» أي التفكير بعالم الغيرية دون التطلع إلى التباينات . وفي عام 2003 ألقى دريدا كلمته الشهيرة في جامعة القدس لصالح الشعب الفلسطيني , ورد عليه وزير الخارجية الفرنسية حينها قائلا: «لقد أعدت الثقل للكلمات القوية والبسيطة في تاريخ الإنسانية وتلك خطوة خلاقة وتحررية , التفكيك دون التدمير للذهاب بعيداً .» وقبيل أيام قليلة من وفاته علم باحتمال تكريمه بجائزة نوبل التي شمل مؤسستها باحتجاجاته , حيث علق قائلاً « يريدون منحي الجائزة لأنهم يعلمون أنني على فراش الموت .»‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية