تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الشفافية

صفحة أخيرة
الأحد 6/11/2005م
عبد النبي حجازي

نضت عنها القميص لصب ماء فوردة خدها فرط الحياء‏

وقابلت الهواء وقد تعرت بمعتد أرق من الهباء‏

ومدت راحة كالماء منها إلى ماء معد في إناء‏

فلما أن قضت وطرا وهمت على عجل إلى أخذ رداء‏

رأت شخص الرقيب على التداني‏

فأسبلت الظلام على الضياء‏

وغاب الصبح منها تحت ليل وظل الماء يقطر فوق ماء‏

فسبحان الإله وقد براها كأحسن ما يكون من النساء‏

هذه الأبيات في وصف جارية شفافة تغتسل, تنسب إلى أبي نواس (139ه/756م) (199ه/814م).‏

وقال الأعشى ميمون بن قيس المتوفى حوالي( 5ه/ 626م) يصف شفافية الخمرة:‏

تريك القذى من دونها وهي دونه إذا ذاقها من ذاقها يتمطق‏

جلست في شرفة منزلي والسكون يدب دبيباً فاتراً بنباح كلب ينسل من بعيد كخيط من الظلام الفضي, والقمر يتسلل من وراء الجبل متسلقاً ذوائب الأشجار متخاذلاً كسولاً, متسعاً باهتاً كوجه أضنته الهموم, ثم مالبث أن أخذ يعتلي قبة السماء مرنقاً باتزان وسلاسة, برتقالياً متوهجاً مشوباً باللون الأصفر كوجه كاعب أزهر بهمسة حب بكر. والمجرة تلتف بوشاحها المبرقش, وآفاق الدنيا الأربعة, ملتحمة بالأرض متشبثة بها, والنجوم تمعن لا مبالية بفضول ودهشة, مربوطة من شعاعها إلى أديم الكون.‏

أصحيح أنها عوالم أخرى تسبح في فلكها كواكب سيارة أخرى?‏

أحسست بالعالم صغيراً منمنماً ككف مبسوطة, شفافاً كنفس مطمئنة. أحسست به يحضنني كعشيقة ساجية الطرف.‏

أهذه هي الشفافية, أم تلك التي غدت شعارا براقا في محافل رجال السياسة وعلى ألسنة رجال الإعلام, وعلى متون الصحف, ليس في محيطنا العربي وحسب, ولكن في العالم كله, يطالب بها ويدعيها الظالمون والمظلومون, الصادقون والزاعمون سواء بسواء..?‏

يالبؤس هذا العالم!‏

يالبؤس أبناء آدم طغاة وغارقين في الطغيان !نسورا وبغاثاً!‏

يالبؤس من ازدوجت نفسه كعملة مزيفة, في أحد وجهيها يدعي النبل والخير. وفي وجهها الآخر يبطن الغدر والشر ! يلوث جمال الحياة ووداعتها ويجعل طعم الطمأنينة مرا.‏

يالبؤس الحرية والديمقراطية التي سلس قيادها كما يسلس قياد الحمير. يمتطيها حامل العصا, ومتقيها, وكلاهما منزلقة خطاه في مستنقعها الآسن.‏

يا لبؤس الحرية والديمقراطية التي تمارس بتقتيل الآمنين من الشيوخ والنساء والأطفال ومن الناس جميعا, وقهرهم وتجويعهم, وتحطيم واقعهم, واغتصاب ماضيهم, ومسح ذاكرتهم باسم السلام العالمي!.. تمارس في العراق, وفلسطين المحتلة. ويشتهى ممارستها في سورية انزلاقاً إلى ( شرق أوسط كبير) يعشش في أوهام وأحلام تئز في رأس بوش وبلير وأتباعهما .‏

أليس صحيحاً ما قاله المتنبي (302ه/915م) ( 353ه/965م):‏

كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء للقناة سنانا‏

وعربنا? ومسلمونا ?: غدوا أنواعاً ثلاثة : نوع معتكف بصومعة في الجبل, يحمل الماء في السلة وعيناه متشبثتان في قبة السماء, لا يعبأ بما يدور على الارض, ونوع مغامر يقارع الحياة بحلوها ومرها, وينسحق بين أضراسها إن دافع عن حقه سجل في قائمة الارهابيين .‏

ونوع ثالث اختار أن يكون إمعة فتهافت على أقدام عسكر المحتلين, وخيال اقدامهم كما يتهافت البعوض على النار , كعصابات المعارضات المدجنة التي يدجنها الرئيس دبليو بوش وأتباعه في حظائر كما تسمن الخراف فيغدق عليها من خيراته وبركاته, ويطلقها أفاعي تسعى .‏

( بعض الزعماء العرب !) إذا غضب عليهم بوش تميد الأرض تحت أقدامهم ويحملق في مخيلاتهم الغول والعنقاء alhijazi@scs-net.org‏

">.‏

alhijazi@scs-net.org‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية