فبوريس جونسون هو أحد السياسيين الأوروبيين القلائل الذي يتم تصويره على أنه شخص مكافئ للرئيس دونالد ترامب في وسائل الإعلام الأميركية، فأوجه التشابه بينهم مذهلة حقاً، وكلاهما له تاريخ من الفضائح اللاأخلاقية، ونجاحهم المهني هو مزيج من الامتياز الهائل للسلطة، والانتهازية وانعدام الضمير، والترويج الذاتي الذي لا هوادة فيه، وكل ذلك يتم الترويج له بسعادة بواسطة بيئة إعلامية متواطئة.
إنهما يتشاركان في مقاربة «غير تقليدية» في السياسة بالإضافة إلى أسلوب التواصل - والتعبير لوسائل الإعلام عن الانتهازية المتهوّرة ومزيج من رهاب المثلية والعنصرية.
وبينما يتقاسم الاثنان مرونة ملحوظة فيما يتعلق بمناصب السياسة، فإن جونسون محافظ بدرجة أكبر من ترامب الجمهوري على الصعيدين السياسي والاجتماعي، فهو نتاج تربية نخبوية بريطانية محافظة، كما وصفها سايمون كوبر ببراعة عندما قال: «جونسون هو مثال مثالي لمخترع عبقري تمخّضت عنه فكرة بريكست».
وهذا لا يعني أن جونسون ليس مدافعاً فضفاضاً عن ترامب، لكنه سياسي أكثر مهنية، إنه أيضاً، مهني واجتماعي، مرتبط تماماً بالنخب السياسية والاجتماعية البريطانية - وبالتالي، على عكس ترامب، ليس لدى جونسون ما يحميه من إمكانية توبيخه من قبل «النخبة».
لذلك فإن دعمه أكثر حزبية وأقل كاريزمية - من ترامب، لأن جونسون لم يستطع قتل شخص في سيرك أوكسفورد والابتعاد عنه.
باختصار، ربما يكون بوريس جونسون أقرب ما يمكن أن تجده إلى ترامب الأوروبي - تماماً مثل بريطانيا هي أكثر الدول الأميركية في أوروبا.
لكن جونسون بريطاني في النهاية، تماماً مثل ترامب أميركي بشكل أساسي، إنه نتاج ثقافة طبقية نخبوية محددة، غارقة في الامتياز والتقاليد، هذه الجذور في ثقافة النخبة في بريطانيا والمجتمع هي التي دفعته إلى السلطة ولكن ذلك حتماً سيؤدي أيضاً إلى سقوطه، ولكن كيف ستتطوّر العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا بوجود ترامب وبوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الجديد، فدونالد ترامب من محبي بوريس جونسون، لكن من غير الواضح ما إذا كان هناك تقارب حقيقي في السياسة.
وعند تعيين رئيس الوزراء البريطاني الجديد، أشار ترامب إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا التي أخذت منحى أكثر قوة من ذي قبل، ولا يوجد أدنى شك في أن الغلاف الجوي مصمم لتحقيق تحسّن كبير في العلاقات الأميركية البريطانية على المدى القريب على الأقل.
ويبدو أن ترامب قد غفر لجونسون مجموعة من الإهانات الماضية قبل أربع سنوات عندما كان عمدة لندن آنذاك وكان ترامب المرشح الرئاسي حيث قال بوريس جونسون وقتها «أنه قلق جداً وقال بصراحة عن ترامب أنه غير لائق لتولي منصب رئيس الولايات المتحدة». الآن وبعد أن تولّى هذا المنصب، قرر ترامب أن جونسون هو الحليف الذي سيقدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حيث فشلت ماي لأن جونسون بنظر ترامب هو شخص صارم وذكي.
وقالت أماندا سلوت، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية وهي الآن في معهد بروكينجز في واشنطن: «ستكون الكيمياء الشخصية بين الزعيمين أفضل بكثير»، «من الواضح أن ترامب فضّل بوريس كقائد لفترة من الوقت وبالتأكيد سيكون هو وبوريس متشابهين للغاية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
لأن بوريس جونسون حقاً هو ترامب في بريطانيا؟ إنه رهان آمن أن تكون إحدى الرحلات الأولى لرئيس الوزراء إلى الخارج هي واشنطن لعرض الوئام الجديد عبر المحيط الأطلسي، والذي سيتم بناؤه حول إغراء رئيس لا مثيل له، ولكن السؤال الأصعب هو ما إذا كانت العلاقة الخاصة الجديدة ستشمل أي تقارب حقيقي في السياسة، كما أن التخلي عن السياسة الخارجية البريطانية الطويلة الأمد قد تؤدي إلى استراتيجية محفوفة بالمخاطر لرئيس وزراء بريطانية الجديد.
ولكن إذا لم يغير السياسة، فقد لا تدوم الأجواء الودية لفترة طويلة، ولن يكون جونسون أول قائد يجد أن احتضان ترامب له يمكن أن يكون فخاً، حتى قبل ذلك، قد يضطر جونسون لإظهار مهارته أمام إيران، فقد وصل في وسط أزمة شاملة.
استولت المملكة المتحدة على ناقلة إيرانية قبالة جبل طارق وردّت ايران.. إنها أزمة خارجية كبيرة للغاية بالنسبة لرئيس وزراء يواجه نفس الخيارات المستحيلة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثل سلفه، وسيكون من المغري البحث عن مخرج سريع، وتبادل الناقلات، وربما احتضان اتفاق أوسع، والإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة... لكن القرار الدقيق مع طهران لن يسير بشكل جيد مع الصقور في إدارة ترامب، وقد تعرّضت المملكة المتحدة إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في أوروبا، لضغط متصاعد مستمر من واشنطن للانضمام إلى حملة «أقصى قدر من الضغط» على إيران ، لكنهم حافظوا على ثقتهم في الاتفاق النووي الذي توصلوا إليه مع طهران في عام 2015...
لقد قطع الصدع بعمق وولّت الأيام الطويلة التي يمكن فيها للمملكة المتحدة أن تدّعي أنها حصلت على مقعد على الطاولة عندما يتم وضع السياسة الخارجية في واشنطن، العلاقة الخاصة بهذا المعنى قد لا تعود أبداً، لكن واشنطن غالباً ما تتخطى حتى مجمل التحالف، فقد أوضح وزير الخارجية، مايك بومبو، بعد الاستيلاء على الناقلة البريطانية، ستينا إمبيرو، أن الأمر متروك لبريطانيا لحماية سفنها.
ويمكن للأزمة في الخليج أن تقدّم فرصة لرئيس الوزراء الجديد على عكس بولتون وبومبو، ولكن مثل المملكة المتحدة، ترامب حريص على تجنّب الصراع، ويمكن لبعض الدبلوماسية الإبداعية من جانب جونسون أن تفتح خيار حفظ ماء الوجه أمام الرئيس الأمريكي وطهران للتخلي عن مسار التصادم الذي يحبس كلا الجانبين فيه.
وقال بيتر ويستماكوت، سفير المملكة المتحدة السابق في واشنطن: «يبدو الرئيس ترامب مهتماً بالفوز أكثر من الحرب، وقد يرغب في مساعدة جونسون في بداية جيدة»، «ربما فقط ، قد يكون هناك نهج تعاوني جديد تجاه إيران، ما يجعل الأمر يستحق التعامل مع طهران أيضاً، على الرغم من الضغوط الاقتصادية وغيرها من الضغوط التي تتعرض لها.
قد يكون الأمر يستحق المحاولة «، إنه نوع من اللقطة الطويلة التي قد يحاولها رئيس وزراء قادم يواجه تحديات كبيرة في السياسة الخارجية والداخلية.
ومن الصعب تحديد مجال كبير للمناورة حول القضايا الرئيسية الأخرى التي تقسم واشنطن ولندن، والمملكة المتحدة ليست على وشك الانضمام إلى الولايات المتحدة وترك اتفاق باريس بشأن الطوارئ والمناخ.
إن نقل السفارة البريطانية في إسرائيل إلى القدس وتبني مواقف إدارة ترامب المؤيدة لإسرائيل يستلزم تمزيق عقود من سياسة المملكة المتحدة في الشرق الأوسط، ويمكن أن يلتزم جونسون بالتوسعات الأمريكية لاستبعاد شركة Huawei الصينية من سوق الاتصالات 5G، لكن هذا قد يعني نسف العلاقة مع بكين، وذهب جونسون في طريقه لإخبار محاور تلفزيوني: «نحن اصدقاء للصين»، كما تحدّث كل من جونسون وترامب عن إمكانات اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وبريطانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن من المرجّح أن تكون حقائق المفاوضات غير عاطفية في أحسن الأحوال، ولا يترك نهج ترامب «أمريكا أولاً» أي مجال لعواطف الصداقة، ولن يصادق الكونغرس على أي صفقة تجارية إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يهدد اتفاق الجمعة الحزينة.
ففي إعداد مساره عبر المحيط الأطلسي، سيتعيّن على جونسون مراعاة أن الولاء لترامب نادراً ما يتم بالمثل، وقال توماس رايت، مدير المركز في الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكينجز: «لا أعتقد أن الأمر سوف يسير على ما يرام، وأن نكون صادقين»، «لا أرى جونسون يرمي مفتاحاً ويقول إننا متحالفون الآن مع السياسة الخارجية، وأنا لا أرى ترامب يغير نظرته للمعاملات الخاصة بالعلاقة الخاصة».