ومن جهة ثانية تفرضها عوامل التموّج في النظام الدولي المتطور الذي ينحو إلى التعدّدية القطبية والخروج من حالة القطب الوحيد المهيمن (أميركا).
وفي مجرى الحرب الإرهابية على سورية وجدنا منذ البداية في نهاية 2010 أن استهداف الجمهورية كان اللّافت المهم في مسألة الثورات المزعومة والربيع الخراب، إذ كيف سيدخل في عقل المواطن العربي على أي أرض عربية يعيش أن الحرص الغربي علينا نحن العرب والغيرة على مصالحنا القومية العليا هو السبب في تهيئة ظروف الدفع من الخارج وإدارة حرب الثورات المزعومة بأطر الإسلام الإخواني، والوهابي وثيق الصلة بأميركا، والصهيونية، وأوروبا إلى أن تبلور الحال بالحرب الإرهابية المكشوفة التي أتوا بعناصرها من جميع سجون العالم، وشوارع التسوّل ليغسلوا أدمغة هؤلاء بالضلال التديّني.
تم العمل على محاولة تعويم الإخوان المسلمين ليكونوا البديل السلطوي الوحيد في الجمهورية العربية التي تقرّر الانقضاض عليها خدمة للمشروع الصهيوني الذي أصبح محاصراً على أرض فلسطين بفعل نمو عناصر القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية في بلدان المقاومة العربية وبصورة خاصة في سورية التي ظهرت في العقد الأول من هذا القرن بأنها بلد القوة العربية الصاعدة، وبلد القرار العربي السيادي الاستقلالي، وبلد التأثير الإقليمي في المحيط العربي والإسلامي بما يؤكد على خارطة الشرق الأوسط بأنها قوة إقليمية تستطيع خلق معادلات مانعة في وجه الدعم الأمروأوروبي لكيان العدوان الصهيوني، وعلى الأعراب الذين يسيرون في ركاب المشروع الصهيوني منذ أن أُعلن عن قيام الكيان العنصري عام 1948م.
ومن الطبيعي أن المفارقة الحاكمة في النظام العربي أنه دوماً أسير مرجعيات سايكس-بيكو، ومؤسسات العمل العربي المشترك عبر الجامعة والقمة العربية ليست صاحبة قرار عربي سيادي يحمي المصالح العربية العليا.
وعليه فالدولة الوطنية مثل سورية لن يكون أمرها متروكاً في التخطيط الأمروصهيوأوروبي لتحقق التغيير والتغيّر اللازمين في النظام العربي باتجاه إسقاط المشاريع الأمروصهيونية على أرض فلسطين بتهويدها، وإبراز يهودية الدولة الصهيونية، من دون أدنى مراعاة للعامل العربي الذي سيكون هذا المشروع على حساب وجوده، ومصيره على أرضه، وعلى راهنية حياته عليها، ومستقبل هذه الحياة.
ووفقاً لمقتضاه وفي إطار الكباش الدولي بين القوى العظمى الصاعدة في الاقتصاد الدولي وفي السياسة، وبين القوى التي أصبحت مرشّحة للمزيد من التراجع في التحكم بالقرار الدولي، وأسفرت الحروب الإقليمية التي اعتمدتها أميركا ولا سيما على أرض العرب عن هزيمة المشروع الأمروصهيوأوروبي في منطقتنا العربية هزم المشروع بالتعا،ن مع الحليف الإيراني لدولة المقاومة سورية.
نعم كل هذا التبدّل في المعادلات الحاكمة إقليمياً، ودولياً جعل النظام الدولي على حافة الخروج من هيمنة القطب الوحيد الذي أدار الحياة العالمية عبر عقدين من الزمان بكل مظاهر الاستبداد الدولي، وخطاب القوة الغاشمة، وتهميش دور الأمم المتحدة والتصرف من خارج قراراتها وكأنها مؤسسة ملحقة بالإدارة الخارجية للسياسة الأميركية.
وفي الوقت الذي بدأت أميركا وربيبتها إسرائيل تخسران فيه معادلة الحرب الخاطفة، وظهر الطرف العربي المقاوم بأنه تحوّل إلى جبهة تمثّل حائط الصدّ المانع بوجه الغطرسة الأمروصهيونية خاصة بين الحربين على المقاومة اللبنانية، وعلى المقاومة في غزة واتضح حينها أهمية الدعم السوري الذي كان حاسماً في هزيمة جيش العدوان الصهيوني.
وحين نقف عند تحليل موضوعي لطبيعة الحرب المركبة على سورية لا بدّ أن نتلمّس بالسرعة الواضحة أن خدمة المشروع الصهيوني هي الهدف الوحيد من كل قصة «الربيع العربي والثورات» بدليل أن الزعم الأمرو أوروبي أردوغاني ومعه التوابع في الممالك والمشيخات الأعرابية يدّعي أنه أوجد تحالفاً لينهي الظاهرة الإرهابية في العراق، وسورية، ولكن هذا التحالف حين يقصف بطيرانه يرى من يتابع هذا القصف أنه ليس على الإرهاب بما يعني المساندة للجبهتين السورية والعراقية ضده بل نراه قصفاً يوقف تقدّم الجيشين العربيين في جبهات القتال ضد المجموعات الإرهابية المسلحة.
ولتكرار الأمر لم تعد أميركا قادرة على الدجل المعروف لديها في العلاقات الدولية، ولذلك ها هي تعيد إلى العمل غرفة عمليات موك في الأردن وعلى الحدود السورية الأردنية تغرق المكان بالأسلحة، وتستدعي عملاءها من الإرهابيين لنسف ما اتفق عليه في محافظة درعا، وما آلت إليه الأمور على حدود محافظة السويداء بعد أن قام جيشنا الباسل بدحر الإرهابيين وإعلان منطقة البادية محررة من الإرهاب إلى التنف.
وما يتم الكشف عنه يومياً أن أميركا تقيم معسكرات التدريب في التنف حتى تستثمرها في عودة الإرهاب إلى البادية السورية، والاعتداء على قطار الفوسفات كان في هذا الإطار، والمحاولة الأكبر هي العمل على تغيير الوقائع على الأرض في منطقة الجزيرة حتى تحقق فيها أميركا غرضين بآنٍ معاً: الأول تكثيف الأهداف الانفصالية عند الكرد المرتبطين بها وبإسرائيل.
والثاني الضغط على أردوغان في موضوع المنطقة الآمنة التي تريدها أميركا عتبة تقسيم لسورية، وليست مجالاً آمناً لتركيا أردوغان.
وبكل حال ما نشهده اليوم هو الموقف المتغطرس لأميركا وتابعيها الذي يزيد من تعقيد الموقف على الأرض، وممارسة الابتزاز في السياسة، وسرقة البترول والثروات السورية الممكن سرقتها، وتعطيل الحل السياسي عبر آلية أستانا، وسوتشي وقد أُعلن يومي 1وَ2 آب موعداً ليعقد فيهما الاجتماع القادم لأستانا، وفي هذا الاجتماع لم يعد قادراً أردوغان على المداورة التي اعتادها مستثمراً اتفاق خفض التصعيد، وما يُنتظر أن تحسم قضية الوجود الإرهابي في إدلب حلّاً متفقاً عليه أو حرباً تزيل السيطرة الإرهابية المدعومة من حلف العدوان على سورية.
وما حققته سورية بتحالفها المقاوم يقدّم لنا المزيد من القناعة بأن أميركا لن تستطيع أن تفرض إرادتها، ولو أنها تُمهّد بتوتير الأجواء من مضيق هرمز حتى شرق الفرات وافتعال جبهات جديدة تعوّض فيها فشل مشروعها بالأصل.