لكن الكاتب والمؤرخ والفنان التشكيلي فيصل الجردي غاص في تاريخ مدينة حمص فأصدر رواية عنونها باسم «»جوليا» ابنة حمص السورية.
الرواية تتحدث عن جوليا دومنة السورية ابنة حمص متابعاً سيرتها منذ التقت مصادفة بالضابط سبتيم قائد حامية مصياف على ضفة العاصي، إلى وفاتها بعد أيام من امتناعها عن الطعام في مدينة انطاكية السورية، مروراً بزواجها من الضابط الموهوب المثقف المنتصر في كل معاركه، وارتقى إلى أعلى مركز في الإمبراطورية الرومانية. تنتهي الرواية نهاية مأساوية، فبعد وفاة ابنها وزوجها الإمبراطور سبتيم (سبتيموس)، وتولي ابنها الآخر منصب الامبراطور، تعتزل جوليا العمل السياسي والعسكري، وتغادر روما، وتستقر في أنطاكيا حيث تضع حداً لحياتها بعد اغتيال ابنها.
لا تدخل الرواية القارئ في تفاصيل تاريخية أو روائية، بل تركز على أهم محطات اجتازها سبتيموس في طريقه من مصياف إلى عرش روما, لقد جعلها تجب به وتوسمت فيه مايؤهله لمستقبل إمبراطوري وتحبه وليا المقاتلة الفذة المثقفة فلسفياً وعلمياً، والكاهنة باعتبارها تخدم إله الشمس، كانت ذاتها الأنثى الجميلة الجذابة، والعاشقة الرقيقة والزوجة الوفية, وتكره القوة والتجبر والعدوان، فتبعد طفليها عن إله القوة والجبروت (جوبيتير) وتقربهما من إله الشمس رمز الحياة والخصب والنور.
ولعل أبرز وجه عرضته الرواية للفاتنة جوليا تجلى في عشقها المركب، لأنها أحبت الضابط «مقيم» رفيق طفولتها لكن تعلقها بالمصير الإمبراطوري الذي تنبأت لها به عرافة تدمر ما جعلها ترفض الزواج وتتزوجه وتكون وفيه له وتنتهي الرواية بحيث تفارق جوليا دومنه الحياة ممسكة بيدها المنديل أهداها إياه حبيبها مقيم قبل أربعين عاماً.
أما الكاتب الدكتور نزيه بدور فقد قدم قراءة للرواية بأن مولوداً جديداً أبدعه عقل جميل والمولود على غير طبيعة الأشياء كائناً كبيراً ناضجاً حكيماً وينتمي لفئة الرواية التاريخية لكاتب معلم مدرسة ومرب على مدى عشرين جيلاً، ثم محام لمدة ثلاثين عاماً وبشكل مواز، ويعد فناناً تشكيلياً أبدع في العديد من المجالات البصرية المتعلقة باللون لكن الإبداع المكتوب والمقروء تبوأ مكانةً خاصة لديه.
الدكتور بدور يتابع عن الرواية التاريخية بأنها اعمل فني إبداعي يتخذ من التاريخ مادة أولية للسرد، فتحمل معلومات الكاتب عن المرحلة التاريخية وتحمل وتصوره الخاص والرؤيا الخاصة وتوظيفه للتصور في التعبير عن الإنسان وهواجسه وعواطفه وعن علاقاته بمجتمعه المعاصر والتعبير عن تناقضاته الاجتماعية والسياسية ولكنه يتخذ من التاريخ وشخصياته المعروفة ذريعة وشكلاً مغايراً للقص.
كما يلفت الدكتور نزيه بأن الرواية تميزت بالبراعة الخاصة في السرد تميز بها الكاتب وأسلوب السرد وتقنياته بحيث يمكن أن يوصف بالرد الكلاسيكي المترفع عن تقنيات الحداثة ومابعدها مايناسب تماماً الرواية التاريخية وفق لمسة أدبية وحس شعري رقيق والغوص في نفوس ومشاعر أبطال الرواية كانت ميزة غالبة.