لكنه صرح أنه يفضل خروج أميركا من الحرب الأفغانية المستمرة منذ ثمانية عشر عاماً وأنه يرغب أن تساعده باكستان بالتوصل إلى (تسوية) مع طالبان.
وقال ترامب (نحن مثل عناصر الشرطة، لم نصنع الحرب، لكن إن أردنا شنّ حرب في أفغانستان يمكننا الفوز بها خلال أسبوع، لكني لا أريد أن أقتل عشرة ملايين شخص.. لديّ خطة للفوز بهذه الحرب..) والتفت نحو خان وقال (أنت تدرك ذلك أكثر من أي كان)، حيّا عمران خان الرئيس ترامب باعتباره (رئيس أقوى دولة في العالم...) لكن نظام الدمى الأميركي في كابول كان مضطراً للحصول على توضيح لأقوال ترامب مع إبداء احتجاج ضعيف على أنه لا يمكن لدول غريبة أن تبتّ بمصير أفغانستان بعدم حضور القادة الأفغان، أما الأفغان فكانت ردة فعلهم الرعب والازدراء.
حاولت وسائل الإعلام الأميركية التخفيف من نبرة تصريحات ترامب، حيث كتبت النيويورك تايمز (ترامب يحاول تهدئة التوترات مع باكستان بهدف تسريع محادثات السلام في أفغانستان)، لكننا نرى بوضوح أن تصريحات ترامب الأخيرة ليست سوى تهديدات لإبادة دولة أجنبية، أما أمر الرئيس الأميركي بتحديث الترسانة النووية (التي تصل تكلفتها إلى تريليون دولار) وانسحاب أميركا من المعاهدة النووية (ذات المدى المتوسط المعقودة مع روسيا) فهما أمران يظهران بوضوح سعي ترامب لإظهار العنف النووي لضمان استمرار هيمنة أميركا على العالم.
في آب ٢٠١٧، هدد ترامب بإشعال (نار وغضب لم يشهد لهما العالم مثيلاً) ضد كوريا الشمالية وهي دولة فقيرة يبلغ تعداد سكانها ٢٥ مليون نسمة، وفي تموز ٢٠١٨ قاد حملة تهديد مماثلة ضد إيران حيث غرد على تويتر أن البلاد (ستتعرض لظروف لم تعانِ منها إلا قلة من الدول في تاريخ البشرية).
تعتبر النخبة الأميركية تهديدات ترامب الفظة -التي تذكرنا بتهديدات أدولف هتلر عشية الحرب العالمية الثانية- غير سياسية، لكن جهاز الأمن العسكري والمؤسسة السياسية الأميركية الديمقراطية والجمهورية تريد استخدام العنف والعدوان والحرب لتعويض الخسائر الاقتصادية التي ألمّت بالولايات المتحدة، وحرب أفغانستان هي واحدة من بين عدة حروب قادتها الولايات المتحدة منذ عام ١٩٩١ في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والبلقان، والأكثر من ذلك، تحولت الهيمنة العالمية للولايات المتحدة اليوم إلى هجمات استراتيجية شاملة، بما في ذلك التهديد بنشر القوات العسكرية والحروب التجارية والعقوبات الاقتصادية ضد القوى النووية روسيا والصين...
في حزيران الماضي كانت الطائرات المقاتلة الأميركية على بعد عشر دقائق من الرمي على إيران حين استدعاها ترامب للتراجع خوفاً من عدم جاهزية بلاده التامة في خوض نزاع عسكري.. وأمام زيادة أميركا لعقوباتها بحق إيران التي هي بمثابة حرب، وضعت الباكستان مشروع خط غاز لاستيراد الغاز الطبيعي الإيراني، لكن البنتاغون وال سي.آي.إيه سيضغطان مجدداً على باكستان التي ترتبط بعلاقات وثيقة أيضاً مع السعودية المعادية لإيران، بهدف استخدام أراضيها لحياكة المؤامرات، ما لم نقل لتنفيذ العمليات العسكرية ضد إيران.
كارثة الحرب الأفغانية
تأكيد ترامب أن أميركا لم تشن حرباً على أفغانستان أمر سخيف، فخلال السنوات الـ١٨ الماضية نشرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الناتو مئات الآلاف من الجنود في أفغانستان، وهذا عدا الدبابات والطائرات المقاتلة، متسببة بأعمال عنف مروعة ومقترفة أعمالاً وحشية لا حد لها، واليوم تحت إدارة ترامب تم إرسال أقوى قنبلة تقليدية إلى أفغانستان عام ٢٠١٧، وقد تسببت هذه الحرب بمقتل ١٧٥ ألف شخص، لكن إن أردنا إضافة عدد الوفيات غير المباشرة الناجمة عن الحرب فسيصل العدد إلى المليون، وملايين أخرى هجروا من منازلهم، ويمكننا أن نضيف إلى هذا الرقم موت ٢٣٠٠ جندي أميركي و١١٠٠ جندي أجنبي، مع ذلك، تسيطر اليوم طالبان على أكبر جزء من أفغانستان منذ الاجتياح الأميركي لها في خريف ٢٠٠١، إذا كانت طالبان رغم إيديولوجيتها الرجعية نجحت في الحفاظ علىمناطق واسعة، فذاك لأن هذه الحرب، هي حرب استعمارية جديدة تسعى لتحويل أفغانستان إلى تابعة وبؤرة استيطانية في آسيا الوسطى للناتو وللولايات المتحدة.. أمام فشل واشنطن في إخضاع أفغانستان بعد ١٨ سنة من الحرب وإنفاق أكثر من تريليون دولار نرى أن الأزمة الأفغانية أدت إلى انقسامات واسعة في وسط المؤسسات السياسية والعسكرية والاستراتيجية الأميركية.
ويستمر ترامب في سعيه لدفع طالبان نحو تسوية سياسية تتيح للبنتاغون نشر أسلحته لمتابعة عدوانه في المنطقة، سواء كان ضد إيران، أم فنزويلا وبقية المنافسين الأهم في نظر الإمبريالية الأميركية.
مع هذا، هناك قسم كبير من نخبة القادة الأميركية، لاسيما وسط الأمن العسكري يؤيدون أن أي تسوية يجب أن تضمن الوجود العسكري المستمر في أفغانستان وذلك بسبب أهميتها الاستراتيجية، فأفغانستان تقع وسط آسيا الوسطى، وهي غنية بالطاقة، وعلى الحدود الإيرانية والصينية، وبالقرب من روسيا.
انهيار العلاقات الأميركية- الباكستانية
لطالما طالبت واشنطن الباكستان بممارسة ضغوط عسكرية وسياسية على طالبان للحصول على تسوية حربية بشروط تناسب أميركا، وبدعم من ال سي.آي.إيه لعب جهاز الأمن العسكري الباكستاني دوراً مهماً في تنظيم المتطرفين الأفغان في سنة ١٩٨٠ وذلك ضمن إطار الحملة الأميركية ضد الاتحاد السوفيتي، وفيما بعد دعمت أميركا طالبان للوصول إلى السلطة.
وكعادتها تخلت واشنطن عن طالبان، واستغلت أحداث ١١ أيلول لتحقيق وجودها في آسيا الوسطى، في ذلك قدمت باكستان لأميركا الدعم اللوجستي الأساسي ثم قادت حرباً ضد القوات الموالية لطالبان في المناطق الفيدرالية، لكن الجيش الباكستاني لم يرغب بقطع علاقاته نهائياً مع طالبان لضمان أن يكون لدولته رأي في أي تسوية سياسية لإنهاء الحرب.
وهنا ضعفت العلاقات الأميركية-الباكستانية، وأصبحت الهند الحليف الرئيسي لأميركا في جنوب آسيا، ولهذا عمدت الباكستان إلى توسيع شراكتها مع الصين في المجالين العسكري والأمني، والذي ظهر في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني والذي بلغت تكلفته ستون مليار دولار، الأمر الذي زاد التوتر بين باكستان وأميركا.
وما كان قد هزّ الباكستان أيضاً، هو الدعم الذي قدمته واشنطن لنيودلهي في أيلول ٢٠١٦ في ما أسمته الضربات (الجراحية) (حيث شنت الهند ضربات على طول خط وقف إطلاق النار مع الباكستان) التي أوصلت القوى النووية المتنافسة في جنوب آسيا إلى حافة الحرب، لكن خلال العقد الأخير، أصر خان على استعادة العلاقات مع أميركا لأسباب اقتصادية وجيوسياسية مع إحداث توازن بين الصين والولايات المتحدة، وفي حزيران الماضي وافق صندوق النقد الدولي (الذي تسيطر عليه أميركا) على منح باكستان قروض طارئة.
يبقى أن نعرف فيما إذا كانت زيارة خان لأميركا ناجحة أم لا، إذ رفض ترامب في البداية ثم أبدى موافقته شرط أن تنضوي إسلام أباد تحت جناح واشنطن، وقال إنه يرغب في أن يكون (وسيطاً) أو (حكماً) للنزاع الهندي-الباكستاني في كشمير. فلطالما بحثت الباكستان عن قوى خارجية لحل مشاكلها مع نيودلهي.