|
حلب.. والصوت.. والصورة إضاءات تحمل اسم تشكيلي حلبي مبدع (لؤي كيالي)، بغير معرض ولقاء ثقافي مهم. وودعت دمشق باحثاً وناقداً فنياً حلبياً كان له حضوره الاستثنائي في الحياة الثقافية والإعلامية. الندوة كانت مع الممثلة والمخرجة القديرة السيدة ثراء دبسي، وكانت فرصة نادرة لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، ولأساتذتهم، للتعرف على بدايات «المسرح القومي» وعلى الرواد الذين كان لهم الفضل في إرساء حضوره الاجتماعي كحالة إبداعية ثقافية، وعلى التقاليد المسرحية التي التزموا بها، فمنحوا العمل المسرحي، وأنفسهم، قدراً كبيراً من الاحترام ساد محيطهم، ومهد الطريق للتعامل بجدية أكبر مع الفعل المسرحي كفن إبداعي قائم على علوم عدة، توجت بإحداث معهد عالٍ لفنون المسرح. أما الأمسية فكانت للمغني الحلبي البارع «مصطفى هلال» الذي سبق لجمهور دار الأوبرا أن حضر له أمسية ساحرة قبل عام تماماً، نقل فيها إلى الصالة الدمشقية أجواء الفن الحلبي من طرب أصيل، وأصوات ساحرة، وألحان مبدعة، وعزف بارع. وإلى ذلك استحضر عبر كل ما سبق: آلام، وذكريات أفراح المدينة التي حفلت كتب الأولين باسمها، فوُصفت بأنها واسطة عقد حضارات العالم القديم، حيث كانت محطةً للقوافل القادمة من أقصى الشرق حاملة إلى الغرب الحرير والخزف والورق والتوابل والأشعار والأغاني والحكايات، ومثلها القوافل القادمة من أقصى الجنوب العربي، حين تقطع الحروب طريق الحرير البري، فتنتقل البضائع عبر البحار لتحط رحالها في موانئ اليمن، ثم تحملها القوافل بعد ذلك إلى دمشق وحلب، ومنها إلى أوروبا. لتعود عبر الطرق ذاتها حاملة بضائع الغرب إلى الشرق. ومن بعض نتائج هذه الحركة أن نال المطبخ الحلبي شهرة كونية بفعل تنوعه وغناه وطيب مذاقه وجمال مظهره، وهو الذي نشأ وتطور عبر زمن طويل منتقياً ببراعة ما كانت تنقله القوافل من توابل ومزروعات وأساليب طهي... مكسواً بخصوصية حلبية أسبغت جمالها - أيضاً- على الغناء والموسيقا والعمارة والأثاث والملابس، فصارت حلب نموذجاً غير متكرر لجمال استثنائي خاص، بناسها، وببيوتها الحجرية القديمة، وأزقتها، وأسواقها المسقوفة، وجوامعها، وكنائسها، وحدائقها، وأحيائها الحديثة. تتوج كل ذلك قلعتها العملاقة الفريدة الساحرة، التي تمتد عدة آلاف من السنين في عمق التاريخ فتكون رمزاً تاريخياً للمدينة. بعد أيام قليلة من الأمسية الغنائية الحلبية قامت قناة «تلاقي»، مشكورة، بعرض تسجيل كامل لها، موفرةً للجمهور الذواق فرصة التمتع بالفن الحلبي الأصيل، لكنها لم تكن فرصة كاملة لسبب وحيد وهو أن أي تسجيل، أو نقل، تلفزيوني، مهما بلغت جودته وإتقانه، فلن يستطيع نقل الأجواء الدافئة التي يخلقها الجمهور الحلبي بتفاعله النادر مع الكلمة واللحن والصوت. ذلك التفاعل الذي منح أهل حلب سمعتهم التاريخية كذواقة من النوع الرفيع، حيث يحتاج الأمر ذائقة مرهفة، وهي سمعة انسحبت على كثير من الأشياء في حياتهم، فقيل إن الحلبي صناعي بارع في الصباح، وفنان رائع في المساء، وبفضل اجتماع هاتين الصفتين أصبحت حلب، عن جدارة، العاصمة الصناعية والفنية لسورية. ولأنها كذلك، ولأن صناعة النسيج كانت بعض ما برعت به، فقد احتضنت لسنوات طويلة مهرجان القطن الشهير. ولأنها كذلك، أيضاَ، فقد اختيرت ليقام فيها مهرجان الأغنية السورية، الذي حرص على تأكيد مظاهر الحضارة الوفيرة، فضم إلى جانب الحفلات الغنائية والموسيقية أنشطة ثقافية متنوعة كالندوات، والأمسيات الشعرية، ومعارض التصوير الضوئي، والفن التشكيلي، والآلات الموسيقية. وقد تولى مسؤولية هذه الأنشطة في المهرجان الباحث والناقد الفني الحلبي الراحل صلاح الدين محمد، مسلطاً الضوء عبر ما سبق، وعبر مطبوعات أنيقة على مكانة المدينة ودورها الكبير في الحضارة الإنسانية. حلب التي تتعرض منذ سنوات لعدوان همجي طال ناسها وتراثها وكل مظاهر الحضارة فيها لا نفقد الإيمان بخلاصها من محنتها الحالية. فقد عرفت عبر تاريخها الحافل السبيل لقيامة حياة جديدة تعبق بالخير والجمال، بعد كل محنة مرت بها.. وأساسه تلك الروح المبدعة الخلقة الكامنة في حناياها. www.facebook.com/saad.alkassem
|