من خلال توسيع الحملة العسكرية لتشمل إقليم وزيرستان جنوب البلاد ومعقل زعيم مسلحي طالبان في باكستان التي أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة الهجمات الانتحارية التي طالت عدداً من المساجد وفندق بيرل كونتينتال في مدينة بيشاور.
وذلك يعني بطبيعة الحال تعقد المشهد السياسي والأمني في باكستان مع عدم القدرة على كبح جماح المسلحين في وادي سوات حيث تدور المعركة الرئيسية فيه على الرغم من إعلان الجيش الباكستاني أكثر من مرة عن دحر المسلحين إلا أنهم سرعان ما يعيدون الهجوم ويستولون على بعض المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيش.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية تتزايد المخاوف حول توسع رقعة الاستهدافات التي تطولها طالبان لتشمل مناطق مختلفة في سائر أرجاء البلاد، أي أن المعركة ليست محصورة في شمال غرب البلاد بل هي مرجحة للامتداد إلى أي بقعة في باكستان وهو ما دلت عليه الاستهدافات التي طالت الجيش والمراكز المدنية على حد سواء في أكثر من مكان.
ونتيجة الأعمال القتالية وتوسع نشاط المسلحين يكون المدنيون هم المتضرر الأكبر وخاصة مع عدم وضوح فترة انتهائها أو امكانية الحسم في وقت قريب، وفي ضوء الأحوال الصعبة التي يعيشونها في مناطق القتال أو في المناطق التي نزحوا إليها، حيث يعانون من فقدان معظم المواد الأساسية بما فيها الغذاء والدواء والطعام وهو الأمر الذي دفع المنظمات الدولية الإنسانية للتحذير من كارثة إنسانية وشيكة الحدوث في حال عدم اتخاذ تدابير فورية لوقف القتال وانهائه وتقديم مساعدات عاجلة للمنكوبين.
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعا المجتمع الدولي لتقديم مساعدات عاجلة لقرابة ثلاثة ملايين نازح فروا من مناطق القتال لتجنب تفاقم الأزمة وخاصة أن منظمات الأمم المتحدة العاملة في باكستان قد أعلنت أنها لم تتلق سوى ربع المساعدات التي طلبتها والتي تبلغ قيمتها الإجمالية /543/ مليون دولار مع تزايد التحذير من نفاد مخزون الأدوية والمساعدات الغذائية.
ووسط توسع الأعمال القتالية لتشمل مناطق أخرى تخشى الأوساط الدولية من تزايد أعداد النازحين، خاصة مع عدم قدرة الجيش الباكستاني على حسم عملياته التي بدأت منذ أواخر نيسان الماضي نظراً لطبيعة الحرب المعقدة في الأطراف المحاذية لأفغانستان وطول الحدود بينهما وتداخل العوامل الطبيعية والجغرافية والبشرية بين البلدين، ما يعطي هامشاً كبيراً للمسلحين للمناورة والكر والفر.
ومن خلال الضغوط المختلفة التي تمارسها واشنطن على إسلام آباد لشن حرب بالوكالة عنها على ما تسميه الإرهاب والتي كان آخرها محاولة الإملاء لشن هجوم موسع ليس فقط على حركة طالبان الباكستانية بل على ما تسميه أيضاً معاقل القاعدة وطالبان الأفغان الذين فروا من أفغانستان أواخر عام 2001 وأقاموا في مناطق متعددة من باكستان وهو ما يلقي بأعباء إضافية على كاهل الحكومة الباكستانية المثقلة أصلاً بمواجهة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية كثيرة.
وتحاول واشنطن تغطية فشلها في أفغانستان من خلال الإدعاء بأن المسلحين فيها يستمدون الدعم والمساندة عبر الحدود من باكستان المجاورة وتحاول أن تستخدم هذه الورقة لابتزاز الحكومة الباكستانية ودفعها لشن حرب بالوكالة عن واشنطن في هذه المنطقة من خلال الادعاء أيضاً (أن هذه المجموعات متصلة ببعضها) وأن «الاستراتيجية تقضي بممارسة الضغط على جانبي الحدود».
وتحاول واشنطن أن تربط أيضاً مساعداتها لإسلام آباد بمقدار النجاح الذي تحققه الأخيرة في القتال ضد المسلحين وفي ذلك وسيلة ضغط وابتزاز أيضاً لها وخاصة في ضوء الأحوال الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الباكستاني الذي تزايدت موجة رفضه للتدخلات الأمريكية في هذا البلد وعدم احترام سيادته والضربات الجوية التي ينفذها الجيش الأمريكي والتي يقول: إنها تستهدف المسلحين داخل الأراضي الباكستانية.
ومني الجيش الباكستاني بهزائم عدة في مناطق وزيرستان القبلية بين 2004و2008، مادفع الحكومة لإبرام اتفاق سلام تتخلى بموجبه عن المنطقة لحركة طالبان وهو الأمر الذي يلقي بالشكوك الكثيرة حول الغاية من توسيع العمليات العسكرية للجيش لتطول مناطق جديدة.