تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لا حاجــة إلــى مزيــد مــن الأعــداء

تريبيون ميديا سرفس
ترجمة
الخميس 18-6-2009م
ترجمة حكمت فاكه

الفشل الذي منيت به المباحثات الروسية الأوروبية مؤخراً بخصوص إمدادات الطاقة إلى أوروبا أظهر دليلاً آخر على مدى التوتر في العلاقة بين روسيا ودول حلف الناتو، وهذا ما دفع الدول الغربية للبحث عن مصادر طاقة أخرى يعوض فيها الاعتماد على روسيا,

وخاصة بعد قطع موسكو سابقاً لإمدادات الطاقة عن الاتحاد الأوروبي الذين أصبحوا يحتاجون أكثر من أي وقت سابق إلى مصادر بديلة تعوقها حتى الآن التكلفة العالية وعدة مشكلات أخرى، والمباحثات التي عقدت مؤخراً عمداً في أقصى الشرق الروسي بالقرب من الحدود الصينية كان الهدف منها التذكير بأن الموارد الروسية كبيرة وخياراتها متعددة في التعاون والتنسيق الدولي مع نهاية المناورة العسكرية التي قام بها الناتو في جورجيا والتي هدفت إلى إرسال تحذير لروسيا لكن تحذير بخصوص ماذا؟‏

فالتحذير الفعلي هو ذلك التحذير الموجه إلى الحلف الذي انتهك قواعده الأساسية عندما أشعل حرباً قصيرة في آب الماضي بين جورجيا وروسيا، والمعروف أن حلف الناتو يمنع انضمام دول إليه لديها مشكلات عرقية أو مطالب حدودية, والأمران ينطبقان معاً على جورجيا.‏

وبضغط من أميركا التي كما يبدو تريد إذلال روسيا أقنعت الدول الأعضاء في حلف الناتو لمنح جورجيا عضوية الحلف التي اعتبرها سكاشفيلي الرئيس الجورجي بمثابة الضوء الأخضر للهجوم على أوسيتيا الجنوبية حيث أشعل نار حرب قصيرة مع روسيا انتهت بخسارته لتلك الحرب، ولاينحصر الموضوع فقط بجورجيا بل يمتد ليشمل أوكرانيا التي تعاني انقسامات داخلية حادة ومع هذا منحها حلف الناتو حق الانضمام في وقت لاحق، وهذا ينذر بتفجير الوضع هناك، وفي ضوء التمدد الغربي ليس من الغريب أن تسوء العلاقات الأميركية الروسية، وتدخل مرحلة فتور واضحة، وفي هذا الإطار كتب العضو السابق في مجلس الشيوخ الأميركي غاري هارت مقالة في مجلة ناشونال انترست يلقي فيها المسؤولية على بعض الدوائر الأميركية لما وصلت إليه العلاقات الأميركية الروسية حيث أكد فيها أن أميركا لم تقبل لروسيا أن تنتهج لنفسها خطا مغايراً وصورة مختلفة عن الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.‏

ومع هذا يتساءل كاتب المقال عما إذا كان الواقع الروسي الداخلي مهما كان نوعه يبرر رفض واشنطن التعاون مع موسكو حول الأمور التي تهم المصالح المشتركة بين البلدين، ويأتي الجواب بالنفي طبعاً, إذ يجب التعامل مع الحكومات الروسية كما هي لا كما نريدها نحن, وما دامت روسيا هي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي وتمتلك ترسانة نووية بوسائل إطلاق متقدمة، إضافة إلى ما تملكه من موارد ضخمة من الغاز والنفط وقدرتها بالسيطرة على آسيا الوسطى والهيمنة على القوقاز وحدودها مع البحر الأسود وبحر قزوين تجعلها قريبة جداً من إيران لذلك ونظراً لهذه الأهمية لا يمكن تجاهلها ، ومع هذا فقد أصرت أميركا على التعامل مع روسيا بعدوانية في الوقت الذي تطالبها فيه بالتعاون حول أمور تهم أميركا.‏

ويسأل كاتب المقالة هارت سؤالاً مهماً: لماذا نتعامل مع روسيا بمعايير أشد صرامة من تلك التي نعامل بها دولاً أخرى؟ وبموجب قانون جاكسون فانيك الذي أقرته أميركا قبل بضع سنوات فإننا نستمر بحجب الفوائد التجارية عن روسيا ويفرض هذا القانون على الاتحاد السوفييتي أيضاً تقديم تنازلات والسماح بهجرة اليهود رغم أن هذا القانون لم يعد مطبقاً على الصين وفيتنام أو جورجيا وأوكرانيا والسؤال القائم والمطروح هو لماذا يتم التركيز على روسيا مع العلم أنها أكثر ديمقراطية من الصين وفيتنام؟‏

في هذا السياق يلوم الكاتب ذلك الشعور الخطير بالانتصار الذي تميزت به السياسة الخارجية الأميركية منذ عام 1993، وهي مشكلة يرجعها هارت إلى الكثير من الزعماء السياسيين ولاسيما مسؤولي السياسة الخارجية الأميركيين الذين يتبنون نظرة متغطرسة جوفاء وساذجة مفادها أن أميركا بمقدورها تشكيل النظام العالمي دون موافقة القوى الأساسية الأخرى بل وتجنب ردة فعل سلبية ضد أميركا وقيادتها وهم بذلك كما يقول كاتب المقال: إنهم تعاملوا مع روسيا كبلد مهزوم.‏

لكن الرد على تلك الانتقادات اللاذعة جاء سريعاً من أحد الوجوه البارزة من المحافظين الجدد وهو جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة الذي سبق له أن قال: إن المنظمة الدولية يفضل حلها واستبدالها بحلف الناتو. فيتهم بولتون إدارة أوباما أنها مستعدة للتضحية بالمصالح الأميركية إرضاء للنخبة الليبرالية، وللحصول على موافقة روسيا على المعاهدة الاستراتيجية لتخفيض الأسلحة مقابل فرض مستوى منخفض جداً من الرؤوس النووية، والتخلي عن نشر المنظومة الدفاعية في جمهوريتي التشيك وبولندا.‏

وفي النهاية يبقى السؤال المطروح هو: فيما إذا كانت أميركا تريد التعامل مع روسيا كعدو دائم حتى لو لم تكن كذلك لأن استمرارية التعاطي مع الدول كأعداء سيحولها إلى عدو فعلي في وقت لا تحتاج فيه أميركا إلى مزيد من الأعداء بل المزيد من الأصدقاء فهل تفعل ذلك؟.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية