في حين تمحورت مباحثات أوباما الشهر الماضي مع رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو في واشنطن حول طلب هذا الأخير وبإلحاح من الرئيس الأمريكي دفع الجانب الفلسطيني للاعتراف بـ «اسرائيل دولة يهودية كشرط أساسي قبل أي اتفاقية يتناولها الطرفان في المستقبل ويبدو أن هذا المطلب يحظى بتأييد واسع في كل من الولايات المتحدة والعواصم الغربية على حد سواء لذلك يجب أن يحذر كل من المجتمع الدولي وواشنطن من الانجراف وراء هذا المسار، فاعتراف الفلسطينيين باسرائيل «دولة يهودية» يحمل في مضمونه الإقرار بأن الأراضي الفلسطينية التي تم سلخها عام 1948 هي حق وامتياز يمتلكه اليهود في مسقط رأسهم ليس إلا وهو محاولة لجر الفلسطينيين للتنكر بشكل غير مسبوق لتاريخهم وهويتهم وانتمائهم ،وسيؤدي هذا الاعتراف كذلك إلى ضرب مسيرة الفلسطينيين النضالية التي خاضوها على امتداد قرن من الزمن وسيفرض هذا الموقف على أرض الواقع أن يتحول الفلسطينيون إلى صهاينة.
فجوهر العقيدة الصهيونية ينص على أن هذه الأراضي الفلسطينية كانت ولاتزال الوطن الأم لمايسمى (الشعب اليهودي) وبالرغم من انقسام الفلسطينيين على أنفسهم إلا أن غالبية منظماتهم بما في ذلك حركة حماس قد أقرت بالواقع السياسي وقد ذهبت منظمة التحرير الفلسطينية إلى أبعد من ذلك من خلال اعترافها بحق اسرائيل العيش بسلام داخل حدود آمنة، كذلك لوحت حماس بإمكانية قبولها بتعايش سلمي طويل الأمد مع (الدولة العبرية) في حال انسحبت تلك الأخيرة من الأراضي التي احتلتها قواتها عام 1967 ويشكل الإقرار بإمكانية التعايش الفلسطيني الاسرائيلي وإنهاء العنف قضية قائمة بذاتها، أما الاعتراف بالمطالب التاريخية والمبدئية الاسرائيلية بضم الأراضي الفلسطينية التي كانت في يوم من الأيام عربية فذلك شأن آخر ومن الواضح أن الهدف المبطن للحصول على اعتراف الفلسطينيين باسرائيل (كدولة يهودية) هو الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم عام 1948 وحرمانهم بالتالي من حقهم بالعودة إلى أراضيهم واسترداد ممتلكاتهم التي فقدوها.
أما رغبة الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم فلا علاقة لها بإلغاء الهوية اليهودية (للدولة العبرية) وتتعلق القضية برمتها بشعور أن مظالم تاريخية لحقت بالفلسطينيين تحتاج إلى اعتراف أوسع من الاقرار بحقوقهم ودفع تعويضات لهم وتدرك القيادات الفلسطينية أنه يستحيل إجبار الاسرائيليين على القبول بعودة أي لاجىء فلسطيني دون أن تتم مناقشة قضية اللاجئين الفلسطينيين من قبل الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للتوصل إلى حل بشأنها.
وفي الواقع لايهدف الطلب الاسرائيلي الاعتراف (بدولة يهودية) إلى مواجهة مزعومة لتهديد تتعرض له في حال أغرقها العرب في البحر كما يدعي أصحاب الحملات الدعائية الاسرائيلية بقدر مايخفي هذا الطلب محاولة مبطنة لانتزاع مسامحة فلسطينية وعفو على خطيئة اسرائيل الأصلية التي تستولي على وطنهم الأم.
هذا وسيؤدي الاعتراف كذلك باسرائيل كدولة يهودية إلى تقويض أوضاع الفلسطينيين في الداخل وتعريض وجودهم للخطر مع ازدياد هيمنة الأحزاب اليمينية المتطرفة على مقاليد السلطة وسعيها للتنكر وتجاهل الحقوق المدنية الأساسية لهؤلاء المواطنين العرب في ديارهم، فقد أوضحت القيادات الفلسطينية أنها لن توافق على مطلب اسرائيل هذا وحتى لو أذعنت تلك القيادات في نهاية المطاف للضغوطات الاسرائيلية ولعملية لي أذرع الغرب، وهو أمر مستبعد فإن هذا الموقف سيبقى تنازلاً شكلياً، لكن من شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى إضعاف وتدمير النظم الفلسطينية القائمة حالياً مما سيتمخض عن انقسامات خطيرة وجديدة داخل الصف الفلسطيني.
وبعيداً عن كونه مطلباً أساسياً للتعايش الفلسطيني الاسرائيلي يعتبر هذا المطلب انحرافاً خطيراً وإجراء سيعمل على تصعيد حدة الاستياء الفلسطيني وتمهيد الطريق لنمو مشاعر الانتقام مع تجدد النزاعات بين الجانبين لذا يجب أن يفكر الاسرائيليون ملياً فيما إذا كانت هناك فائدة ومصلحة من خلال الإصرار على تنفيذ هذا المطلب، أما الغرب فيجب أن يمعن كذلك التفكير بعمق وجدية قبل تبني هذه الصيغة المدججة بالأيدلوجيات الصهيونية التي تسعى لفرض اطروحاتها علىشعب فلسطيني منهك جراء السياسات الاسرائيلي المتبعة بدءاً بالحصار والتجويع وانتهاءً بإلقاء مزيد من الأعباء على عملية سلام تشكو من الهشاشة وسرعة العطب.