الوانه ألوان الزنبق والترمس والأقحوان، زخارفه أشجار السرو وسنابل القمح ونجوم الليل ، ورائحته تعبق بالنرجس والزعتر والياسمين .. هكذا يصف أحد المؤرخين الفلسطينيين والباحث في الفلكلور بداية اطلاق مشروع التطريز والثوب الفلسطيني ردا على الرواية الصهيونية للعالم الغربي لتزين وجه الاحتلال للأرض الفلسطينية وسرقت تراثها ..
السيدة أم شادي القيسي الخبيرة والمدربة في تعليم الفتيات التطريز الفلسطيني تقول : تنبهت مجموعة من النساء المهتمات بتطريز بلادهن التقليدي ، للتغيرات الجذرية التي بدأت تظهر في العقد الأخير على المطرزات حيث اختلطت الأنماط الأصيلة المنبثقة من تراث الجدات ببعض الأنماط الغربية المكتسبة مما جعل الشابات يفقدن الصلة بالأشكال والتصاميم الأصيلة ناهيك عن انتحال جماعات عرفية اخرى لهذه الرسومات على أنها تراث لها ما يشكل تهديداً خطيراً للهوية والتراث الفلسطيني وللمساهمة في الحفاظ على هذا التراث العريق ، أخذت مجموعة من النساء على عاتقها تجميع وتوثيق الرسومات التقليدية للتطريز الفلسطيني وإصدارها في كتاب خاص ليكون مرجعاً للمهتمين ورمزا لتراثهم وهويتهم يساعد في الحفاظ على ذكرى الوطن والأرض واختيرت نماذج للتطريز الفلاحي مثل الأثواب وأغطية الرأس ووسائد العروس ومحارم العريس وكل ما تعده الفتاة لزفافها .. وتضيف الأخت أم شادي بالقول :كما وأثرت القضية الفلسطينية وما واكبها من حروب ومآس على الشعب وأفراد العائلة في مجال التطريز ورسوماته وأحدث الأمثلة هو الثوب الفلسطيني التقليدي مع رسوماته المطرزة والذي ولد مع الانتفاضة عام 1988 وسمي بثوب الانتفاضة وانتشر ارتداؤه في سائر الوطن والعالم .
كما كان للبيئة أثر واضح في رسومات وألوان الثوب حيث كانت تستمد مواده الأولية من البيئة المحلية حيث نجد أن التطريز التقليدي يتم على قماش الكتان المنسوج محليا باليد والمسمى بالرومي او الرهباني او على نسيج هو مزيج من الكتان والقطن والمسمى بالقروي او على قماش من القطن المنسوج بحياكة خاصة لتسهيل عد الخيط وإظهار الغرزة بوضوح .
اما خيوط التطريز فقد ساد استعمال الخيوط الحريرية المحضرة من لبنان وسورية من مزارع الحرير الطبيعي حيث كانت تصبغ طبيعيا ومن أهم ألوانها النيلة ، دودة القز ، جذور الغوه ، تربة المغره ، قشور الرمان ، الجوز الأخضر واعتبر اللون الأحمر أكثر الألوان شعبية مع تفاوت درجات هذا اللون من منطقة لأخرى ، فتميزت مناطق رام الله ويافا بالاحمر النبيذي والخليل بالأحمر المائل للبني وغزة بالاحمر الضارب للبنفسجي وبئر السبع وسيناء بالأحمر الضارب للبرتقالي
وتشير الأخت ام شادي الى ان نكبة عام 1948 قد أثرت على سير وتطور التطريز الفلاحي الذي انتقل الى المدن مع سيل اللاجئين وعلى سائر نواحي الحياة بحيث أصبح المطلوب من المرأة المشاركة في زيادة دخل الأسرة من هنا لجأت المرأة الى مهاراتها في التطريز وبدأت في استخدامها لقطع فنية مطرزة تبيعها وتستعين بريعها في تأمين معيشتها وعائلتها كما قامت جمعيات نسائية إثر ذلك بمساندة هذه المرأة الخلاقة وأنشأت مراكز للتسويق بحيث أصبحت سلعة معاصرة مرغوبة عالميا وخاصة عند حدوث حدث سياسي في المنطقة وأحداث غزة خير مثال مؤخرا وختاما وكما قال جبرا جبرا عام 1992:
يحق لنا ان نفاخر العالم بتطريز الأثواب النسائية على نحو متميز يعبر عن شخصية متفردة برؤيتها للأشكال والألوان بقدر ما هي منفردة برؤيتها للتجربة الانسانية فهذا الفن المتوارث منذ أقدم العصور والذي طورته كل قرية فلسطينية على غرارها الخاص فيه من الرقة والرهافة والتنويع ما يدهشنا اليوم بأصالته ، وهو بنفس الوقت مستقى من ملاحظة دقيقة للطبيعة وأشكالها لتحريرها بحيث تتلاءم وغرزة الابرة مع ما كان ميسراً للمرأة محلياً من خيوط وصباغ . إن هذا التطريز فن أبدعه حب عارم لكل ما هو حي .