|
ذلك البائس ثقافة تركت الكتاب زمنا, وحين عدت اليه, وجدت نفسي امام منطقي عملاق, وتأكدت عندها بأن الخلل, ليس في ابن رشد,ذلك العقلاني الجبار, بل في قلة قراءاتي الارسطية, وضعف اهتمامي بالفلسفة العربية,وسريعاً, ومع اعتذار جليل, توجهت نحو اكثر الامكنة خصوبة وتحريضاًَ للعقل. طرح ابن رشد عمل الحكيم, بأنه اذا قال فقد نطق بالصواب, واذا سمع كلام غيره, ميز الكذب من الصواب, اما السفسطائيون, فانهم يقوون على ان يراؤوا انهم حكماء, من غير ان يكونوا كذلك, الا بحسب هواهم . اي انهم, اذا انكشف امرهم, وافتضحوا, يقولون بأن لا فائدة من الحكمة. هي الحكمة, التي دافع عنها ابن رشد, والتي رفض أن يوصف بها اي انسان ليس اهلاً لها. هناك كثيرون يحبون ان يوصفوا بالحكمة, دون تعب منهم في بلوغها, ودون ان يكونوا اهلاً وهم يتوهمون بأنهم حكماء . وقد اطلق عليهم ابن رشد, كما ارسطو, اسم الحكماء المرئيين, اي السفسطائيين. ذهب ا بن رشد, قبل ما يزيد على الثمانية قرون, حزيناًَ على جهده العقلي, الذي احرق امام عينيه,ومتفائلاً بالقليل الذي بقي منه. وذهبت معه تلك العقلانية, والمعاندة الشديدة لكل قول يقوم على الوهم والمراءاة, لتحل محلها اللاعقلانية, وتبدأ-بالخوف او وجل- بدفن المنطق الرشيدي, وكأن اصحابها يتباهون بوأد ابنة غير شرعية, ستكون عاراًعلى القبيلة. استفاق الغرب من سباته, وصار يفتش عن ا تصال حقيقي مع ماضيه الفلسفي, فوجد ما تبقى من ابن رشد, وجعله جسراً, لينهي قطيعته غير المبررة. هناك اعيد احياء ابن رشد, وبشروحه العظيمة, شرعوا بالحفر في الارث الارسطي, وبنوا عقلانية متينة, تبلورت بحضارة, طغت بأنوارها على كل العالم. ولم ينس ا لغرب ان يعترف بالشارع العربي. ويقدر له صونه لتراث فلسفي, كان يمكن ان يضيع . تحت تأويلات مختلفة, اختلقنا قطيعة مع ابن رشد, واذا ذكرناه فسيكون ذكره من باب المباهاة امام الآخر, فقط لنقول له ان ابن رشد, هو فيلسوف عربي, وابن تاريخنا. وخارج هذه المباهاة, وخارج حدود المفاخرة الفارغة, لا يكون لابن رشد اي وجود في حاضرنا: انه ذلك البائس, الذي تجرأ في زمن ما على القول بضرورة التميز بين السفسطة والحكمة, وبين الوهم والحقيقة, فعوقب بالتجاهل , ومن ثم بالنسيان.
|