لبقاء بريطانيا في العراق بالإضافة إلى أن غوردن براون يحاول محو الآثار السيئة لسياسة بلير في التحاقه بالسياسة الأمريكية.
ومع أن العذر أقبح من فعل فهل كانت أحلام (بلير) بالعودة إلى عقلية بريطانيا العظمى الاستعمارية ولو تحت الظل الأمريكي الدافع المهم للمشاركة في غزو العراق البلد الذي تستدعي جاذبية خيراته تقاسمها مع الدولة الأكبر والأعظم ولو بالفتات الذي تسمح أمريكا به مثل هذه التقديرات أوقعت بريطانيا بالهزيمة الثانية بعد حرب السويس.
إن الزيارة المفاجئة لغوردن براون رئيس الوزراء البريطاني لبغداد تدخل في إطار التخلص الهادئ من المستنقع العراقي,رافق الزيارة الإعلان عن سحب ألف من الجنود البريطانيين من العراق قبل نهاية العام 2007 إن التبدل المتزن للسياسة البريطانية في العراق قد واكبه تقرير من لجنة نيابية بريطانية عن سياسة جديدة تنوي بريطانيا اتباعها في المنطقة صدر في مطلع شهر آب 2007 ولقد نشرت (السفير) اللبنانية في 14/8/2007 أجزاء من هذا التقرير وتعليق الحكومة البريطانية عليه, وفيما يلي تلخيص له خلصت لجنة الشؤون الخارجية من مجلس العموم البريطاني في بيان لها, إلى أن رفض لندن والمجتمع الدولي إجراء حوار مع حركة المقاومة الإسلامية حماس (يسبب ضرراً ) أكثر منه نفعاً ودعت إلى دعم سورية من أجل توطيد الاستقرار في منطقة (الشرق الأوسط) وانتقدت تباطؤ لندن في الدعوة إلى وقف مباشر للنار لإنهاء الحرب التي شهدها لبنان الصيف الماضي بين ( حزب الله) و(إسرائيل) معتبرة أنه أضر بسمعة المملكة المتحدة, ودعت الحكومة البريطانية إلى فتح حوار مع النواب المعتدلين في حزب الله وفي رد فعل على التقرير قالت وزيرة الخارجية البريطانية: (نوضح باستمرار أننا على استعداد للاستجابة لأي تحرك ذي مغزى من حماس) لكنها أوضحت أن الحوار يجب أن يستند إلى الشروط الثلاثة, في إشارة إلى وجوب اعتراف حماس (بإسرائيل ونبذها العنف والتزامها الاتفاقات الدولية الموقعة مع إسرائيل, وبالنسبة إلى الحرب على لبنان, أكدت أن بريطانيا عملت بنشاط من أجل وقف النار, وأن واقع كون القتال لم يندلع يثبت سلامة النهج الذي اتبعناه), وأضافت أن (حزب الله) هو جزء من المشهد السياسي اللبناني, وأن المملكة المتحدة ستستمر في تشجيع الحزب على المشاركة في السياسة اللبنانية كحزب سياسي ديمقراطي بكل معنى الكلمة.
وفي موضوع العراق, شككت اللجنة في استراتيجية زيادة حجم القوات التي انتهجتها الولايات المتحدة لشن عمليات مكثفة على المسلحين وقالت: »من السابق لأوانه اصدار تقويم نهائي لسياسة الولايات المتحدة, ولكن يبدو مستبعداً أن تنجح) وحذرت الحكومة من استمرار استخدام عبارات مثل الحرب على الإرهاب و»محور الشر) على أساس أنها لا تحقق نتائجها المرجوة, الغريب في الأمر أن التجارب المهلكة لم تكن دروساً مفيدة, وهناك الآن من يرتب لعمليات عدوانية على إيران, وربما سورية, وحزب الله دخلت فيها فرنسا بصورة أشد انتهازية لتنال قليلاً من الكعكة بعد التراجع البريطاني, بينما توجد مآزق لأميركا في عدة دول لاتينية لم تعد تهددها فقط بنشر ثقافة الكراهية لكل ماهو أميركي, وإنما إعادة اليسار الماركسي بعد فشله خارج تلك القارة, وحتى مع كل الاعتبارات بأن الاشتراكية انتهت تاريخياً فالرئيس الفنزويلي (شافيز) أصبح ركناً ثانياً مع كاسترو في إحداث تغييرات جوهرية في سلوك عدد من الحكومات هناك, فهل تنتقل الحروب من منطقتنا إلى الحديقة الخلفية لأميركا, أم أن التورط في العراق ربما يكون نهاية الحروب, وخصوصاً لبريطانيا التي بدأت في فهم العبر المستفادة والابتعاد عن الوقوع في الأخطاء الأميركية والتخلص منها.
العالم يعيش متفرجاً على المعارك الخاسرة التي دفع ثمنها شعب العراق بالنتائج الصعبة, لكن أميركا وبريطانيا قدمتا الدرس الأصعب عندما خطت بريطانيا علناً من دون مواربة إلى الجلاء عن البصرة وقد تكون أميركا تعد لتدبير مماثل يحفظ ماء الوجه.
* سفير سابق