تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اقتصاد إسرائيل يبحث عن حل ديموغرافي!!

شؤون سياسية
الاربعاء 17/10/2007
توفيق جراد*

يشبه اقتصاد إسرائيل إلى حد كبير اقتصاد دولتين مختلفتين: اقتصاد دولة متطورة ومزدهرة وغنية, واقتصاد أخرى ضعيفة وفقيرة وتنتمي إلى العالم الثالث, مرد هذا التباين في إطار الدولة الواحدة, هو أن إسرائيل التي يعيش فيها, حسب إحصاءات عام ,2005

نحو سبعة ملايين نسمة يعمل منهم مليونان ونصف المليون فقط, وهذا يعني أن هناك نحو 4 ملايين ونصف المليون من مجموع السكان كانوا لا يعملون, وبالتالي فهم يشكلون عبئاً اقتصادياً على الذين يعملون ويعيلونهم.‏

ورغم أن التقرير الذي أصدرته مؤسسة الأمين الوطني الأسبوع الماضي بشأن العام 2006 يشير إلى حصول انخفاض في مقاييس الفقر, إلا أن نسبة الأطفال الفقراء ارتفعت إلى 35,8% في حين أن الأرقام تتحدث عن أن 50% من العرب الذين يشكلون ما نسبته 20% من مجموع السكان في إسرائيل, وأكثر من 60% من الأطفال العرب يعيشون دون خط الفقر.‏

ويشار إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة, إن كانت عمالية أو ليكودية متطرفة, انتهجت سياسة تكرس الإجحاف المزمن بحق العرب, ليحول إلى متلازمة ترافقهم أينما كانوا, ومهما كانت مستوياتهم العلمية. لكن الأمور كانت تزداد سواء مع تولي الليكود الحكم, وإذا كانت معاناة العرب الاقتصادية قديمة بفضل الحصار المفروض عليهم ومصادرة أراضيهم ليعيشوا في أحزمة الفقر التي تغلف المدن الإسرائيلية, في سعي مدبر غايته إظهار العربي في إطار الصورة النمطية التي نقلوها عنه لأبنائهم:( متخلف, يعمل في المهن القذرة).‏

وتتفاقم المشكلة أكثر في إسرائيل وتزداد حدتها لأن الانتماء إلى الاقتصاد المتطور والغني أو الفقير والضعيف يسير وفق حدود اثنية أو دينية وخاصة فيما يتعلق باليهود المتدينين (الحراديم) وقطاع واسع من اليهود الشرقيين الذين ينتمون إلى الاقتصاد الفقير.‏

ووفق الإحصاءات الرسمية الصادرة عن مؤسسة التأمين لعامي 2005 -2006 يعيش 33,1 في المئة تحت خط الفقر, دون حساب المساعدات الاجتماعية, وإذا ما أدخلت هذه المساعدات لتعديل نسبة الفقر في إسرائيل يبقى هناك مليون و630 ألف شخص من مجموع السكان تحت خط الفقر, وهذه نسبة, حسب المقاييس الأوروبية التي يحلو لإسرائيل أن تنتمي إليها متى شاءت وتبتعد عنها متى شاءت أيضاً, مرتفعة للغاية, كما يقرر كل من رجل الاقتصاد الإسرائيلي (بيني لاندا) والدكتور (شمونيل ايفن) المستشار الاقتصادي في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب, في كتابهما (اقتصاد إسرائيل في عصر العولمة: التأثيرات الاستراتيجية).‏

وفيما هما يشيران إلى أن 37% فقط من مجموع الإسرائيليين يعملون والبقية تعتمد عليهم, وهذه نسبة منخفضة, فإنهما يعيدانها إلى سببين أساسيين هما:‏

أولاً, ارتفاع نسبة الذين لا يعملون وهم في جيل العمل (أي من سن 15 إلى سن 65).‏

ثانياً: انخفاض نسبة من هم في جيل العمل من مجموع السكان وذلك لسرعة وتيرة التكاثر الطبيعي في إسرائيل (وهذا مصطلح يطلق عادة عندما يصار إلى الحديث عن العرب وهذه واقعة صحيحة في المجتمعات التي تعاني من البطالة), والهجرة اليهودية إليها والمقصود هنا الهجرة اليهودية إلى فلسطين تنفيذاً ل (قانون العودة) الصادر يوم الخامس من تموز عام 1950 والذي يقضي بمنح الجنسية الإسرائيلية لليهودي عندما تطأ قدماه أرض فلسطين, ذلك للحفاظ على (يهودية الدولة).‏

والسؤال الذي يطرح نفسه والاسرائيليون يبحثون عن حل لهذه المعضلة, هو: هل يكون الحل عنصرياً? بمعنى أن يحمل الفلسطينيون في الداخل مسؤولية الوضع الاجتماعي - الاقتصادي السيىء. أم أن يقدر المعنيون في الكيان الاسرائيلي أن كيانهم ومنذ عام 1953 يعيش أزمة اقتصادية?‏

محافظ بنك إسرائيل (المركزي) (ميخائيل برونو) لم يجاف الحقيقة حين قال: »إن إسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية مستمرة, لا بل إن تاريخها هو تاريخ أزمة اقتصادية) ولئن تذكروا ذلك كله, فإنهم سائرون إلى الأخذ بفكرة »تبادل الأراضي والسكان) التي أطلت برأسها منذ انعقاد مؤتمر هيرتسيليا عام 2004 حين أعلن بنيامين نتنياهو أنه يرى في عرب الداخل قنبلة موقوتة ينبغي تفكيكها.‏

الحديث في هذا المجال يدور عن اقتلاع نحو ربع مليون فلسطيني من عرب الداخل يعيشون في نحو عشرين قرية في منطقة المثلث. وهنا اختلط الاقتصاد بالأمن, وإذ يغض الاسرائيليون الطرف عن مكونات »الهجرة الانتقائية), التي جعلت من إسرائيل »مأوى للعجزة) على حد قول وزيرة العمل السابقة /اورا نامير/, ما جعل 10% من مجموع السكان في وضع من يحتاج إلى من يكفلهم ويرعاهم بعد أن تقلص دور الدولة الرفاه إلى مستويات لا تذكر, مع مجيء ارئيل شارون إلى الحكم في آذار عام 2001 فأسقط عبارة »الرفاه) عن وزارة العمل.‏

أما الجانب الأمني في الموضوع فقد تناوله رئيس جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي (الشاباك) يوفال ديسكين, محذراً مما سماه »تطرفاً متزايداً) في أوساط فلسطينيي ال ,48 معتبراً أنه يشكل »خطراً إستراتيجياً) على الطابع اليهودي لإسرائيل »على الأمد البعيد). وكانت هذه المسألة قد طغت على سطح الأحداث عندما أدلى /ديسكين/ بتصريح مماثل في آذار الماضي معتبراً عرب الداخل »خطراً إستراتيجياً), فسره في اليوم التالي برسالة وجهها إلى صحيفة »فصل المقال) التي تصدر في مدينة الناصرة قال فيه: »الشاباك مؤتمن على الحفاظ على أمن الدولة, ونظم الحكم الديمقراطي ومؤسساته, مقابل »تهديدات تغييرية). ومعنى التصريح قالت »فصل المقال) هو أن الشاباك منح نفسه سلطة ملاحقة ومراقبة أي نشاط ديمقراطي تسمح به الديمقراطية والدولة نفسها.‏

وإذا كان مثل هذا التصريح, قد وضع بين يدي المستشار القانوني السابق للحكومة الإسرائيلية الياكيم روبنشتاين قبل أربع سنوات, وهو يعبر عن سياسة متبعة منذ قيام إسرائيل, فإنه يعتبر أول اعتراف صريح بهذه السياسة. وما كان للمسؤولين الإسرائيليين أن يعلنوا ذلك لولا أنهم اكتشفوا عبر أحداث »هبة أكتوبر - 2002) أن هناك فلسطينيين يطالبون بحقوق لهم حرموا منها منذ قيام (إسرائيل).‏

* باحث فلسطيني‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية