إنه الفنان /خالد تاجا/ الذي لقبه الشاعر محمود درويش ب انطوني كوين العرب الذي فتح قلبه للثورة وكشف جانباً من أسرار نجاحه فيقول:
في سفح جبل قاسيون, هناك حارة اسمها الزينبية, أبصرت فيها النور من عائلة متوسطة الدخل لا فنان فيها, حتى البيت خال من ا لكتب إلا المدرسية, والجدران خالية من أية لوحات فنية هي الأخرى.
كنا سبعة أخوة وكانت أمي تحاول أن تعطينا عطفها جميعاً وبالتساوي.
غير أن هذا الشقي المدعو خالد تاجا الوسطي بين اخوته جعل أمه ترى نجوم الظهر إنه طفل مشاكس, عنده فرط نشاط غير عادي, يكره المدرسة لأن فيها (ضبط وربط) يريد أن يلعب, ويتفرج, يحب أن يكتشف الأشياء. كان تماماً كالفراشة التي تركض باتجاه النور, حتى ولو كان ناراً, تعرفت بمقهى شعبي قريب من بيتنا على خيال الظل, وقلدت ما شاهدت في البيت أمام أطفال الحارة (أصدقائي ورفاقي).
كنت ألبس ثياب أمي وأخرج الى الحارة وكذلك ملابس جدي وأحمل عكازاً وكنت أحاول أن أقلد كل شيء وبدافع اللعب...
عشق الفن
تعرفت على الدراما في سن الحادية عشرة حيث كنت أذهب الى مسرح النصر والذي كان يقدم عروضاً من فصل واحد, ومطربين ومطربات, وراقصين وراقصات, فسحرني ما رأيت وشاهدت.
وهنا تعشقت رائحة خشبة المسرح في أنفي, وأحسست أنه مكاني الذي أبحث عنه.
وحينما اكتشف أساتذتي في المدرسة الابتدائية موهبتي وقدرتي على الرسم كلفوني برسم لوحات إيضاح لطلاب المدرسة وهذا ما ساعدني مستقبلاً في رسم الشخصيات التي قدمتها خلال مسيرتي الفنية.
بحثت عن حاضن لموهبتي وأنا في سن السادسة عشرة فاهتديت الى فرقة المسرح الحر وكانت مؤلفة من كبارالفنانين المحترفين أمثال: عبد اللطيف فتحي ورفيق سبيعي ومحمد عقاد وفهد كعيكاتي وأم كامل والأديب الشعبي حكمت محسن والعديد من الممثلين الموهوبين فعلاً.
قدمت نفسي لعبد اللطيف فتحي فطلب مني أداء مشهد أمامه ففعلت وقدمته وهنا تم قبولي عضواً في المسرح الحر.
بدايتي في التأليف والإخراج
وبعدها بسنتين تقريباً وفي سن الثامنة عشرة كتبت مسرحية بعنوان (الطفر كنز لا يفنى) واستقدمت لهذا العمل ومن المسرح الحر تحديداً, أساتذة مثل رفيق سبيعي ومحمد خير حلواني وأبو شاكر وغيرهم, وقمت بإخراج العمل بنفسي وقدمته على مسرح فريال الذي كان موقعه في بوابة الصالحية آنذاك.
وفي هذا العمل كتبت عني الصحف مشيدة بعملي ومتنبئة لي بمستقبل فني مهم. بعد ذلك ذهبت الى القاهرة لأجرب حظي في عالم الدراما الرحب هناك فقمت بدورة تمثيلية في الاذاعة, بعدها لم أستطع متابعة مسيرتي هناك, فمرض والدي بالسرطان جعلني أعود الى دمشق لأكون الى جانبه حتى وفاته, وأبدأ من جديد بمسرحية من تأليفي وإخراجي اسمها (بالناقص زلمة) قدمت بعدها عملين على المسرح لتبدأ رحلة شقاء مريرة في حياتي لعدم وجود تمويل لمسرحياتي وبسبب الفقر الذي كان قد أحاط بعائلتي بعد وفاة الجسر (أي الوالد).
المسرح العسكري والسينما
التحقت بالفرقة الشعبية التابعة لوزارة الثقافة لأشهر فقط قمت أثناءها بجولات ميدانية معهم في المحافظات, ثم تركتها لألتحق بفرقة المسرح العسكري متعاقداً معها لمدة أربع سنوات قدمت خلالها العديد من المسرحيات. وكنا نقوم بجولات في القطاعات العسكرية في كافة أنحاء سورية, في هذه الأثناء كانت وزارة الثقافة قد أنشأت مؤسسة السينما واستقدمت خبيراً في الاخراج من يوغوسلافيا ويدعى بوشكو قدمت له المؤسسة سيناريو من تأليف نجاة قصاب حسن وكان مديراً للمسارح.
وعندما بدأ هذا الخبير في التحضير لإخراج العمل أخذ يبحث عن الشخصية الرئيسية أي (بطل الفيلم) وبعد مشاهدات للعديد من الممثلين السوريين حضر الى المسرح العسكري وشاهدني في أحد العروض ووقع اختياره عليّ لبطولة هذا الفيلم الذي كان اسمه (سائق الشاحنة).
بعدها تدرجت مع القطاع الخاص السينمائي في تلك المرحلة والذي كان يقدم أعمالاً تجارية رخيصة الى حد ما خالية من الفكر بهدف الربح وعملت في العديد منها بدافع الشهرة.
الابتعاد عن العمل
بعد فترة قصيرة أبعدني مرض آفة صدرية عن العمل لمدة سبع سنوات وعند شفائي وعودتي الى الحياة كان أصدقائي قد خطوا خطوات كثيرة عبر شاشة التلفزيون التي كانت قد بدأت البث إبان الوحدة بين سورية ومصر.
إضافة لسبب آخر لابتعادي عن الدراما وهو حرب شنها بعض رفاقي في الوسط الفني ضدي, ولم أجد حينها أن ميزان القوى بيني وبينهم عادل لذا انسحبت .
تنقلت في العديد من الأعمال من إكساء البيوت ودوكرتها وأغواني السفر الى عدة بلدان وابتعدت تقريباً عن الدراما.
ولكن خلال وجودي في المسرح العسكري تعرفت على فنانة مطربة وعشت معها اثني عشر عاماً بصداقة غريبة عجيبة كانت الى حد كبير تشبه الزواج.
هذه الانسانة وقفت الى جانبي بمحنتي ومرضي وبكل إمكاناتها وعلمتني الكثير من أمور الحياة (توفيت رحمها الله بحادث مأساوي).
عودتي إلى التلفزيون
في عام 1983 تقريباً كان لي صديق وهو كاتب شعبي للدراما وهوالأستاذ أحمد قبلاوي يؤمن بي وبموهبتي فأصر عليّ أن أعود الى التلفزيون هذه العلبة الصغيرة وكتب لي نص تمثيلية لسهرة تلفزيونية اسمها »خريف الأيام). وفعلاً نفذت الشخصية المطلوبة التي لفتت أنظار المخرجين لخالد تاجا وهاتفني بعضهم ليقول: لقد ظلمناك يا خالد.
ولم أتوقف حتى هذه اللحظة عن المشاركة في العديد من الأعمال التلفزيونية السورية ومن أسباب عودتي للدراما هو وجود شباب موهوبين ومثقفين والآن هم منتشرون على مساحة الوطن العربي كنجوم أحببتهم وآمنت بموهبتهم فهم نتاج هذا البلد ونتاج المعهد العالي للفنون المسرحية.