تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل يتجه العرب إلى البحث عن منظومة أمن قومي جديدة?

شؤون سياسية
الخميس 6/4/2006
حسن حسن

كثيرة هي الانتقادات التي توجه إلى النظام العربي الرسمي بشأن موقفه تجاه الأزمة العراقية,وتدور هذه الانتقادات حول فكرة تتردد أصداؤها في أوساط شتى, وهي أن النظام العربي لم يفعل ما يتوجب عليه لمواجهة الخطر الذي يتجاوز العراق إلى المنطقة كلها ويمس هذا النظام نفسه.

فهل قصر هذا النظام حقاً, وهل المشكلة في إمكانات النظام العربي التي يتحرك في حدودها, أم فيما سيسميه ناقدون لأدائه غياب أو ضعف الارادة?!‏

الحديث عما يطلق عليه( الارادة السياسية) قديم يتجدد كلما واجه العرب أزمة أو محنة واختلفت تقديراتهم لكيفية مواجهتها, فبرز بينهم من يطالب باتخاذ اقصى المواقف تشدداً, وإذا قيل لهؤلاء إن المواقف ينبغي اتخاذها حسب الامكانات والقدرات المتاحة وإلا صارت بمثابة التهلكة قالوا إنما النقص في الارادة لا في القدرة. غير أن تأمل المعنى الذي ينطوي عليه مفهوما القدرة والارادة ربما يتيح بناء علاقة جدلية بينهما مفادها أن تدعيم القدرة يقوي الارادة ويعززها, وأن الارادة القوية يمكن أن تحقق تقدماً في زيادة القدرة إذا تحولت إلى عمل على الأرض ولم تقتصر على خطب وشعارات.‏

وليكن لنا في التجربة الصينية الراهنة مثل وقدوة.فالإنجاز الاقتصادي الهائل الذي حققه الصينيون خلال العقدين الأخيرين يرقى إلى مرتبة المعجزة في عصر لا يعرف المعجزات.ويجمع على ذلك أهم خبراء التنمية والتطور الاقتصادي في العالم. ولم يكن ممكناً تحقيق هذا الانجاز من دون إرادة قوية صلبة أخذت المسار الصحيح وهو العمل والبناء والانجاز. وساهمت الارادة هنا, في تعزيز قدرة الصين على تحقيق أهدافها القومية, بما فيها تدعيم مكانتها كدولة كبرى في مرحلة اشتد فيها الجموح الأميركي إلى ترسيخ نظام عالمي أحادي القطبية وبالتالي ( تصغير) الدول الكبرى الأخرى.‏

بعض أنصار الواقعية السياسية في عالمنا العربي يطالبون بمعالجة الوضع بما هو عليه,وينطلقون من معطياته الراهنة حيث يرون أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان. فالعرب دول ضعيفة خرج أكثرها من الاستعمار المباشر إلى الاستعمار المستتر, والمارد الأميركي يعيش ذروة سيادته على العالم كله, وهو اليوم مزهو بقوته العسكرية وقد تمكن من السيطرة على مقدرات البشرية, ومن سوء حظنا بل من قلة حيلتنا وضعف تدبيرنا تمكنت الصهيونية من النفاذ إلى عقل وفكر ومصالح الولايات المتحدة, واستولت على قرارها حتى بات رؤساؤها المتعاقبون يستمدون قوتهم من دعم الصهيونية لهم,مقابل أن ينفذوا للصهيونية مشروعها التوسعي في بلادنا. وقد اتسع نفوذهم في العالم كله,ولم نعد نحن العرب وحدنا من يعضّ ويبتلع شعوره بالضعف والنقمة. باختصار, ليس من المفيد وسط التهديد, تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الضعف والتردي, والمطلوب انقاذ ما يمكن انقاذه.‏

لكن الكثرة الصامتة من المواطنين العرب يرون رأياً آخر,فهم لا يجدون مبرراً للتقية السياسية المسرفة, لأنها تقوم على رؤية الخطر وتقدير النتائج السلبية للمواجهة, وتغفل رؤية الامكانات المتاحة, فالعرب ليسوا ضعفاء إلى الحد الذي يدعوهم إلى المبالغة في التخوف, ومن يناصبهم العداء ليس مرعباً إلى حد يدعو إلى المبالغة في تقدير قوته, بل إن قوة الخصم مستمدة من ضعف العرب, ولدى الأمة كل مقومات القوة والمقاومة.‏

وأصحاب هذه الرؤية يرون أن الخصم مصمم على اذلال الأمة وهزيمتها مهما قدمت من تنازلات, فالعدو يدعي أنه يريد السلام, ولكنه في الممارسة يريد الاستسلام, ويشترط أن يجردهم من أسلحتهم (بما فيها سلاحهم الروحي والثقافي) كي يفاوضهم وهم في حالة الضعف والهوان, يضطرون فيها إلى القبول بالفتات وهو يعلن أنه يسعى إلى إقامة دولة فلسطينية, لكنه يريدها دولة هلامية, بحيث يضع الفلسطينيين في قبضته الأمنية والاقتصادية. وقد كشفت تجربة التنازلات أنها تفتح شهية الخصم إلى المزيد, وهو على كل حال يمضي وفق مشروع مدروس ومخطط استراتيجي لإقامة دولة عنصرية تمتلك أسلحة دمار شامل وسط مجموعة من دول صغيرة مجردة من أبسط القوى والأسلحة, وحتى من التاريخ والفكر والعقائد ولهذا يعمل على إشعال الفتن في أوضاعها, لإدخالها في مشكلات تشغلها عن النمو وامتلاك قوتها.‏

إن ما يحتاج إليه العرب من الدول الكبرى هو المساعدة لتحقيق السلام العادل, وإنهاء الاحتلال, وإعادة الحقوق العربية المغتصبة, وإبعاد شبح الحروب عن الشرق الأوسط والعالم كله. ولايتحقق ذلك إلا بتنظيف المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل, وبإجبار ( اسرائيل) على التخلي عن ترسانتها النووية والتدميرية, التي لن تكون خطراً على العرب وحدهم, وإنما على العالم كله, فانفراد ( اسرائيل) بالقوة المدمرة في غياب أي توازن,سيجعلها قادرة على تحدي المجتمع الدولي وعلى مزيد من الاستهتار بقرارات مجلس الأمن وما يحتاج إليه العرب هو مساعدتهم في التنمية, وهي شديدة الارتباط بعملية السلام, لأن السلام وما يجلبه من أمن لكل شعوب المنطقة, سيحقق استثماراً أفضل للطاقات والإمكانات, وستسهم المصالح المشتركة في تمتين العلاقات بين الشعوب, حتى لا يكون هناك غالب ومغلوب. وكل ما نرجوه أن يعلو صوت الحق والمنطق وأن يواجه دعاة السلام في العالم مسؤولياتهم لإنقاذ البشرية من حماقة دعاة الحروب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية