يشهد على ذلك الديباجات الطويلة التي تسبق أحاديثنا المشتركة وفواتير هواتفنا الشخصية و(صبحيات نسوان الحارة), وأحاديث المقاهي , ومكاتب الموظفين...
في مؤسسات العمل وتحت زجاج مكاتبها يتفنن هذا الموظف أو ذاك بتخطيط حكمته المفضلة ( في العجلة الندامة) وبين المعاملات المكدسة أمامه سيمارس تطبيقه العملي لحكمته هذه, إلا هذا لا يعني عدم اهتمام الموظفين بالوقت , فهم الأكثر اهتماماً به بدءاً من تعداد ساعات الدوام اليومي فأيام الشهر, وأيام الإجازة السنوية. ولكن على نحو تنازلي.. كأن تسمع أحدهم يقول بقي على الدوام ثلاثة ساعات , و( بدو) الشهر عشرة أيام لينتهي....,على نحو يبدو فيه أن المقدس في الوقت هو نهايته وحسب( نهاية الدوام الرسمي, نهاية الشهر...,).
في حياتنا العامة يصير الوقت متراساً نداري خلفه تقصيرنا في هذا الأمر أو ذاك. كأن يبرر طالب انخفاض علامته في الامتحان, أو يبرر عامل تقصيره في أداء مهمته بضيق الوقت, ويبرر ثالث تأخره عن موعد ما بتوقف ساعته أو تقصيرها.
في مجاملاتنا الاجتماعية يأخذنا الوقت فلا نشعر به, وعند إحساسنا بالضيق أو الملل أو التبرم من حديث يروى لنا,أو من شخص يزورنا يصير النظر إلى ساعة اليد أو الحائط الخلاص الوحيد لإعلام الآخر بضرورة إنهاء حديثه أو تعبير عن اعتذار أدبي عن مواصلة استقباله.
في الشارع في سيارات النقل العام, وفي المقاهي يصير السؤال عن الوقت فاتحة للتعارف بين شخصين أو لثرثرة عابرة بينهما, وفي أحيان أخرى تصير الساعة أداة للتنبيه عندما تنتقل من يد إلى يد, ويصير التخلي عنها وسيلة للتعبير عن تمرد إنساني على رتابة الحياة وروتينها المرسوم على تدريجات الساعة الأثني عشر.